القصة القصيرة بعنوان: ذنبي أنِّي أحببت
الجزء الأول:
حاولت، نعم حاولت كثيراً أن أتخطَّى تلك الأيَّام.
لم يكن بمقدروي أن أنسى لحظة واحدة منها، مهما حاولت أن أشغل نهاري بالعمل وبعد العمل كانت تهاجمني مثل مطر تشرين.
لم تتركني لأكفِّر عن ذنبي معها.
أحببتها لا أنكر ذلك، لقد جاءت على غفلة من الزَّمان ومنِّي، ومن دنيا كنت أحسبها بين يديّ.
كيف أصبحَت جزءًا منِّي ومن يومي؟، وكيف اختفت هكذا؟، لست أدري، أو لعلِّي أدري.
أتُراها اختفت حقًّا أم كنت أنا من قتلها.
أعلم، لو عاد الزَّمان لكنت تخلَّيت عنها مرَّة أخرى.
مثلها لا يمكن أن يُحتفظ به إلَّا في القلب والذَّاكرة.
تمرُّ الأيَّام والسِّنين، لكنَّها ما تزال في ذاكرتي كما الأمس.
أذكرها بكلِّ تفاصيلها، ضحكتها، كلامها، عصبيتها، طفولتها الَّتي لم تتركها أو تتخلى عنها.
أذكرها وأبتسم، وقلبي يبكيها صمتًا.
لا يمكن أن أنهض من مكاني وأحطِّم كلَّ هذه الأطباق والكؤوس، وأفرغ غضبي من نفسي ومن قلبي،
فلا ذنب لأميرتي بكل ما يحترق بداخلي .
أميرتي هل أخبرتكم عنها؟، هي زوجتي التقيتها، وتزوجتها، وعشت معها.
نعم، أحبُّها، لكن هل أحببتها بالقدر الكافي؟ هل ملأت كل فراغات قلبي؟ أم تركت جزءًا دخلت منه أخرى قلبت كياني كلَّه في ليلة قمريَّةٍ.
نعم .. أنا الَّذي وقع بين اثنتين إحداهما زوجتي والأخرى ، آه من الأخرى.
ملكتني، أسرتني، دخلت جسدي كالسرطان. لم تترك في جسدي أيَّ خليةٍ إلَّا أصابها عشقها.
لا أعلم كيف يحبُّ المرء وهو يملك الزوجة والابن ، كنت أعتقد قبل أن ألقاها أنِّي في الجنة أعيش.
جاءت صدفةً، لم تشأ أن تدخل حياتي، لكنها دخلتها.
كانت تسحرني بكلامها، كنت أجد المتعة في الاستماع لها، كانت تتحدث بعفوية آسرة، عن كتب قرأتها، عن قصائد حفظتها، عن يومها وشعرها الأسود، عن خاتمها، عن عقدٍ يزيِّن جيدها.
كنت أهوى سماعها، كان صوتها بمثابة أغنية أهرب إليها من تعب نهاري، كانت تشاركني أدقَّ تفاصيلي، أخبرتها أسراري الَّتي لم أخبر زوجتي عنها يومًا، شاركتها كلَّ أحلامي وآمالي وأوجاعي وتعبي وضيقي، كانت تستمع لي كانت صديقتي .
آه يا صديقة الفرح، لو لم أبح لكِ بعشقي لكنتِ الآن معي لنتحدث ونتسامر ونكتب ملاحظاتٍ عن كتب سنقرأها معًا.
كان ذنبي أنِّي أحببتها، بل عشقتها.
كانت تتخللني بكلِّ ما فيها، كانت تندمج داخلي.
لم أستطع أن أمنع قلبي من حبِّها.
كنت أعلم أنَّها تبادلني هذه المشاعر، هي الَّتي لم تجد الحبَّ قبلي ، ووجدته معي أخفته واستمرَّت معي كصديقة.
لو لم أبح لها بحبِّي واحتفظت بما أحمله لها من مشاعر ، هل كنا سنبقى معًا؟.
كان كلِّ شيءٍ عاديًّا حتَّى لاحظت زوجتي تبدُّلي، وهي التي ترى الدُّنيا في عيوني وعيون طفلنا الَّذي لم يتجاوز العام.
كنت أحاول أن أخفي ما يشتعل داخلي من نار ، حائرًا بين حياة عاديَّة أعيشها لم تكن سيئة، وهذا القلب الَّذي نبض خارج السِّرب وأحبَّ أخرى .
حاولت أن أبتعد، أن أحافظ على عائلتي الصغيرة، هذا هو المنطق هذا هو الرأي السليم، هكذا حدَّثني عقلي، هكذا فكَّرت .
اختفيت عنها، ابتعدت، الأصحُّ أن أقول أنِّي هربت منها، ومن حبِّها، ومن كل ما لامس قلبي منها .
انتظرتني، وأنا الَّذي حادثتها كلَّ ساعة ، اتصلَت مرارًا، خشيَت أن يكون قد أصابني ضرر.
أرسلت لي الرَّسائل لتطمئن، ولكنِّي لم أطمئن قلبها.
آه كم كنت قاسيًا عليها، كنت أشعر بها وبألمها، ولكنَّ قسوة قلبي أبعدتني عنها.
تركتها لشكِّها وعذابها ولأسئلةٍ تدور في رأسها دون إجابة.
انتظرَتْ وطال انتظارها.
كنتُ أعلم أنَّها عشقتني، كان ذلك جليًّا في كلامها وقلقها وكلِّ حركاتها.
راقبتها من بعيد، احترق قلبي، وأنا أشاهدها تائهة ضائعة.
لكن ماذا أفعل بهذا العشق؟، ما ذنب أميرة بيتي أن أعشق سواها .
بينهما تهت وتاهت الأقدار بي، كنتُ أنهي عملي مفكرًا بها فارضًا على قلبي حصارًا.
ممنوعٌ الكلام معها، ممنوعٌ الاتِّصال بها، أو إرسال الرسائل، أو حتَّى مقابلتها صدفةً في طريق .
لكن هذا الحصار لم يصمد أمام أحلامي، مع أنَّ النَّوم لم يكن يأتيني إلَّا قليلًا، لكنَّها كانت ملكة هذه الأحلام وسيِّدتها.
أمسكها من ذراعها، أراقصها، أحادثها، أشاركها كتابًا، أو قبلةً أسرقها من خدها أثناء انشغالها بالحديث عن كتابها الذي تقرأه .
كنت أخشى أن أنادي أميرتي باسمها، لمرات عديدة تتدافع حروف سمها لتخرج من شفتي، أمسكها في اللحظة الأخيرة ناسيًا ما كنت سأقول، فأقضي ليلي مع سيجارتي وكؤوس قهوتي المرة .
أذكرها ، أحاول نسيانها بأن أحبها أكثر وأكثر.
كيف لك يا امرأة أن تسرقي قلبي في لحظة، في غفلة من قلبي ومنِّي،
كيف لك أن تكوني أنت سيدة القلب، وأنت البعيدة عن العين .
يتبع..
بقلم: هيفاء
0 تعليقات