ماذا لو كنت رغيف خبز ؟




أنا رغيف الخبز كما تعلمون، أقف على الموائد منتظرًا دوري؛ لأُغمسَ بالحب أو أكسب لحاف يدِ الأمهات، لأسد جوعًا وأُهضَمُ بحبّ، هذه هي الحكاية التي كان يقصها عليَّ التُراب قبل النوم عندما كنتُ بذرةً يافعة! 

لكنّ الأحلامَ صارت وهمُ كبير بالنسبة لي. أنا الآن أقف على طرف الطاولةَ في إحدى المنازل التي يغلفها الجشع، أراقب تلوّن الوجوه التي تعتري الكراسي، وأجفُ من كثرةِ التساؤل إلى أي معدةٍ سوف أهوي، الغاضب أم الحزين، المتعجرف أم اللئيم، كنت أخاف على ما تبقى منّي، من سيعتني بي ويُقدسُ بقاياي، هل سأُلقى في الشارع وأتيبس من ريح الوحدة!

أفكر دائمًا في تجاربي البشعة تحت اسم الجوع! هناك من شق أحشائي من النصف ليأكلني، بكل أنانية، وهناك من أمسك باصابعه المغرورة أشلائي التي ظلّت تنزف على رصيف الطاولة، ورماها بكل قسوةٍ من صدرِ النافذةَ إلى غلافِ اليأس، أو إلى قاع القمامةِ؛ بعد أن اكتفت حاجته منّي! وغالبًا ما كنت أستيقظ فأجد نفسي شريدًا في الطّرقات، تربتُ على كتفي القطط وبعض العصافير.

أتسائل عنّا نحن السنابل، حين يملأنا الذعر دائمًا "أين النهاية، وإلى أين المفر؟" ولا أصلٌ لطمأنينةِ الجوابِ إلا عند شخصٍ كان دائمًا يحبّني كثيرًا، ويعتني بي جيدًا، وإن وجدني لقيطًا في إحدى الطرقات ينتشلني ويهرب بي إلى بيته، ويُقسّمني بكل حبٍ على قططه وينثرني في بيت الحَمَام، ويربطُ على بقاياي بكل الحبّ، ويلحِّفني بالأمان، ويقول: "إنه بركة، إنه بركة" 

كنتُ كلعبةٍ تلهو بها يد الصغار، مجرد رغيفِ خبزْ لا يَشعر، إلّا عند الفقير لقد كنتُ كنزًا ونعمة تُقَبَّل! أذكرُ دائمًا كيف كنا نصلي في الحقل، يا ليتَنا نُحصَد لأجل سدِّ صياح بطون الفقراء وحاجاتهم.

تُقاطَعُ فقاعةُ أفكاري بسهام صوت هذا الرجل الخشن، الذي يبدو وكأنّه يهشّم صلابة الجدران ويحيلها فُتاتًا، وأنا هنا مصلوبٌ حالي كحال غيري؛ أنتظرُ دوري لاعتلاء مشنقةِ الهضم.

- "أين الخبز!" ترد زوجته بكل ما تملك من حدةٍ في صوتها: "إنه هناك على طرفِ الطاولة. اجلبه بنفسك!"

كادت عيناه تسقط من وجههِ على الطاولةِ من شدة الغضب! جرّ جسدي الهش بيده العريضةَ وأنا أرتجفُ خوفًا من الأسنان الجائعة؛ التي تتربص لي خلف هذه الشفاه الخشنة، وأخذ يعجنني بالقسوة داخل فمه، ويَبتلعني إلى الظلام، ويتفلُ بعضي حين يرمي بحممِ كلامه على قلب زوجته، وبعضي الآخرُ يهربُ رافضًا النزول والتحلل لأجل هذا الجسد، لكن عبثًا. عندما وصلتُ إلى القاع لم أجد سوى كتلًا من الأنانية والسوداويّةِ، لماذا  يرمينا الحظُ في متاهةِ من لا يقدِّرنا ويقلل من شأننا!

لا أدري إن كان علي أن أصرخ من هنا، من غياهب ظلام المعداتِ الجشعةِ في وجهِ العالم، يا ليتكم فقراء! أو يا ليتني بقيتُ سنبلةً شامخةً حرّة، يداعبها المطر، وتجاورها الزهور، ويعتني بها الفلاح!

هيلانا عبد

إرسال تعليق

0 تعليقات