وأد الأحلام




نطالب بحريّتنا بطريقةٍ شرعيّة، نريد أن نعبر عن خبيئةِ أفكارنا، قيد فضاءٍ تطفو به الحريّة، نريد أن نفجّر طاقاتنا، ونستحدث ما أكل عليه الزمان وشرب من رفات أفكاركم القديمة, نريد أن تتركوا لنا مجالًا للتعبير عن إبداعنا، هذه جلُّ مطالبنا التي لا تمس حريّة الآخرين, فقط نطالب بحماية أجنّة أحلامنا التي أجهضتموها مرارًا وتَكرارًا. 

كفاكم إجهاضًا لأحلامنا، كفاكم قتلًا لأفكارنا ، وتحديدًا لمعتقداتنا، وتفننًا باغتيال إبداعنا، والحطّ من إنتاجنا، كفاكم تقييدًا لإبداعاتنا, فنحن لدينا الكثير لننير به طريق العالمين, لكن حدودكم النكراء، وإقصاءكم لإمكاناتنا؛ جعل منا محدودي الفكر، متوقفي الإبداع؛ أوقف ذلك الطموح الذي خلق معنا وجعله عاجزًا عن تنفيذ خططه الخلاقة، ووأد تلك الأحلام، وجعل لأخواتها الناجين من جوره سقفًا قريبًا جدًا لا نكاد نبدأ بالتفكير بمستقبلنا وآفاقنا؛ إلّا ويرتطم رأسنا بذلك السقف اللعين الذي وضعتموه عقبة في طريقنا؛ يبعثر أفكارنا ويغتال أحلامنا. 

نعم أنا المبدع، صاحب القلم الذي يصرخ بصوت الحق، ويسمعه الكون برمّته, وذلك صاحب الصوت العذب والحنجرة الذهبية؛ الذي يطرب الوطن فيُستَبدل الحرب بالسلام, ويضفي بريق العشق على محيى الكون, أمّا ثالثنا راسم الإبداع الذي يجعل من الأصفر شمسًا تبعث الضياء، ومن الأسود ليلًا يغمر الكون بالارتياح، ويعطي للقلب الأمان، ومن الأبيض قمرًا يضيء عتمة الروح، أمّا الآخر مميزٌ في الفيزياء، وآخر كيميائيٌّ مبدع, لماذا تقصّرون علينا بمجالاتٍ لا ننتمي إليها! وتحدّون من إمكاناتنا بحدود معيّنة للعلامات التي تأهلنا لكلية ما، لا تحصرونا بمقياسكم أنتم, فعدم إثباتي لذكائي في مجال ما؛ لا يعني أنني غبيّة، فالذكاء متعدد، وهو رزق، والإبداع رزق؛ وقسمة الله عادلة في كل الأحوال، وجميعنا رائعون بطريقة أو بأخرى.

وإن أصريتم على مقاييسكم فاعذروا خلايا دماغي؛ فقدرتها على الحفظ ضعيفة، ولكنّها من وجهة أخرى قادرةٌ على الإبداع وبقوة, اتركوا لنا فسحة من حب نفرغ بها إبداعنا، ونستثمر قوانا وأفكارنا الأخّاذة؛ كي نبني بكل حلم بستانًا من أمل، وننير طريقنا الذي أظلم بالحدود، التي أصبحت أسبابا خفية؛ تؤدي للهجرة والسفر خارج البلاد، لعلّنا نحقق بعضًا من أحلامنا خارج إطار الإحباط المطبق الذي يسيطر علينا؛ علّنا نلتقي بأيادٍ تتبنى أفكارنا وتنمّي إبداعنا, مع العلم أنني لا أحبذ هذه الأفكار التي تراودنا نحن جيل الإبداع, نحن الذي يفترض أن نكون لبنة الأساس التي سيبنى بها وطننا, تلك التي يفترض أن تنهض بها الأمّة حجرة حجرة بتعاضد وقوة كما البنيان المرصوص, لكنّه وللأسف لا تسير الأمور وفق مجراها الصائب؛ لأنهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة يجعلوننا تحت وطأة تعذيب نفسيّ تحت إطار تهجيرٍ قسريّ، وبطرقٍ مغايرة، يضيّقون الحبل حول أعناقنا ويقطعون الإلهام عنّا.
كل ذلك وبكل عين جريئة يطلبون منّا بناء الوطن، والدفاع عنه بأيدينا التي يحاولون بترها .
إلى متى نجتهد ونتعب، ثم تُسرق منّا ثمرة أعمالنا عنوة، وكأنّ عملنا اندثر وأصبح هباءً منثورًا. 

يشددون ويشددون؛ فنحسب أنفسنا بعد اجتياز كل هذه الأنصاب؛ سندخل جامعة (إكسفورد) أو جامعة (هارفرد) من أوسع أبوابها، لكنّنا نرتطم بالواقع، وندخل جامعة تصنف بالسوء عالميًا وتندثر الأحلام. 

نقف نهايةً, حدادًا على ما فارق أجسادنا من فتات الروح على تلك الآهات التي تودّع قلوبنا بكل ما أوتيت من ألم .كفاكم تمسكون زمام الأمور من أقدامها فتقلبون الموازين وأنتم ظانين أنفسكم تحسنون صنعًا. 
كفاكم رسمًا لحدود أفكارنا بخطوط عشوائيّة غير متناسقة، ظانين أنفسكم فنانين محترفين، من أعطاكم السُّلطة على أحلامنا! من سمح لكم بالتعدي على حياتنا! من استودع عندكم أفكارنا! من أعطاكم الإذن بالمساس بحريتنا! 

قتلتمونا عندما جعلتم للحياة حدودًا معيّنة, اخترعتموها أنتم وجعلتموها نموذجًا للحياة المثاليّة, نعم تلك الحياة التي لا تمت للحياة بصلة إلا أنّها مثالية بمعاييركم؛ بسبب ذلك الذي يظن نفسه محدثًا للتغيير، ومناضلًا وفعالًا يمسك الإصلاح من الخلف، ويطيح به في وديان الضياع, يا سيدي الذي تمسك زمام الأمور من وجهة نظرك, التغيير لا يكون هكذا أبدًا, أنتَ تعمل كطبيب في العمليات، يجري عملية قلب مفتوح، والمريض يحدق به غير مستوعب أنّ قلبه مفتوح أمامه؛ فيدرك متأخرًا أنّه قد وقع بين يدي طبيب ذو خبرةٍ فاسدة، لا يمكنه الاستفادة منها، ونحن هكذا تمامًا بين يديك، لكنك لست مدركًا بعد أين أنت يا سيدي. 

قالها المبدع أدهم الشرقاوي في كتابه نبأ يقين :
"المدارس عندي كالمساجد رقع لا يمكنني أن أتصور كوكب الأرض بدونها, لهذا أنا مع المدارس حتى آخر رمق فيّ, ولكنني ضد أن تصبح سجونًا, بينما الغاية من التعليم هي صنع الأجنحة للناس!"

أتبنى كلامه بحذافيره، وهذا هو الهدف الرئيسي من كتابتي لمقالي هذا؛ لتفقهوا أنّ أجنحتنا بحاجة لمكان نستطيع به فردها عن آخرها، لنطير في سماء العلم والإبداع، لا إلى مقصاتكم، وإجرامكم مبهم المعالم الذي يقصينا ويخلق لنا حدودًا، لكنني أخبركم وبكل أسف أنكم مخطئون، وأننا أصحاب أجنحة ملونة، وحدودنا السماء، ولن تعرقلنا حدودكم الغبية.

عائشة بصمةجي 

إرسال تعليق

0 تعليقات