الأدب: عالَمٌ ممتدّ الآفاق، متعدد المواضيع الثقافيّة والفكريّة، وهو مملكة متكاملة الأركان يديرها أفراده من أدباء وقرّاء ونُقّاد، كما أنها تعاني من مشاكل عدّة تحاربها، وتقف أمامها.
ولعلّ من أبرز تلك المشاكل "السرقات الأدبيّة"، التي يقوم بها مجرمون، ويزعمون أنفسهم مثقّفين، ومتذوّقين للأدب، لكنّهم في الواقع أناسٌ متجرّدون من الأدب وخصائصه وسماته؛ فهم لا يحترمون حقوق النشر والنقل، كما أنهم يُجحفون بحقّ قلم غيرهم وينكرونه، ولا يدركون قيمة السلعة الأدبيّة عند صاحبها، فالكاتب مهما كان قلمه صغير بعد، ونصوصه فقيرة البلاغة والجمال؛ يبقى حريصًا عليها، ويراها نجومًا تتلألأ في سماء الأدب، ويبقى تفكيره معلّقًا حول كيفيّة رعايتها، والعمل على نموّها؛ للحصول على أطيب الثمار الأدبيّة؛ لأنّه يدرك جيدًا أنّ ثروته الأدبيّة قد تكون سببَ تخليد اسمه في ذاكرة التاريخ، ولذلك عندما يتسلّط لصٌّ على نصوص كاتبٍ ما؛ يشتعل هذا الكاتب غضبًا، وقد حقّ له هذا، فالأمر أشبه بسرقة نبتة سقاها بدمائه، وماء عينه.
وللسرقة الأدبيّة أوجه مختلفة في ظاهرها، متّفقة في عظيم سوئِها، نستدلّ من خلال رؤيتها على تعريف هذا الجرم الكبير؛ ومن تلك الأوجه أذكر: أن ينسخَ المجرمُ نصَّ غيره بكلماته عينها؛ ثم يضع اسمه بدلًا من اسم الكاتب، وهناك من يسرق معنى النصّ عمدًا؛ ثمّ يغيّر ملامح النصّ ظاهريًّا باستخدام كلمات خاصة به، والبعض مَن يفعل العكس أي يسرق كلمات نصٍّ ما، ثم يجعل معناها حسب ما يميل هواه إليه. وربما يوجد أوجه أُخرى مختلفة عن هذه، لكن تبقى كلّها أعمالًا إجراميّة ذات إثم كبير.
وقد حظي موضوع السرقة الأدبيّة على اهتمام ملحوظ من قِبل كثير من الناقدين وأهل الأدب؛ كونه مسبّبًا لمتاعب الأدباء، وأصحاب الأقلام الكريمة، لذلك نرى عدة ناقدين امتشقوا أقلامهم لمكافحة هذا الفساد الذي يشوّه _ بطريقة أو بأخرى_ ملامحَ وجه الأدب العربيّ، وجعلوا السرقة الأدبيّة مَرمَى حروفهم وكلماتهم، وما يزال الصراع مستمّرًا إلى يومنا هذا.
إنّ السرقات الأدبيّة سبَّبت مخاوفًا كثيرة للأدباء المعاصرين، الذين يعيشون في قرية كونيّة صغيرة، مرتبطة بفضاء إلكتروني واسع. إذ أنّ انتشار مواقع التواصل الاجتماعي بصورته الكبيرة؛ يتيح إمكانية أكبر لسارقي الكنوز الأدبيّة؛ للقيام بأعمالهم الشنيعة، فكلّ ما يفعله السارقُ نسخَ النصّ ولصقه؛ ثم نشره على حسابه الخاص، ووضع اسمه تحته، وبهذه الخطوات الخبيثة البسيطة صار مُبدعًا، وقد أدهش جمهوره بهذه التحفة الأدبيّة، ولهذا حرص كثيرٌ من أدباء هذا القرن على التحفّظ على ممتلكاتهم الأدبيّة، وعدم نشرها إلّا بشكل منظّم على شكل دواوين شعريّة، أو كتب نثرية، أو من خلال أعمال عديدة: كالأُمسيات الأدبيّة، واللقاءات التلفزيونيّة، والإذاعيّة.
على كلّ جالسٍ في مجالس الأدب وشوارعه إعطاءُ الطريق حقَّه بحفظ الحقوق والأمانات، وعدم الإجحاف بحقّ الكاتب مهما كانت رتبته، وإن ودَّ نقلَ قطعة أدبيّة ما؛ فعليه إرفاق اسم الكاتب وإن تعذّر ذلك، فعليه بيان أنّه مجرد ناقل لهذه القطعة _وهذا أضعف الإيمان_. كما على أئمّة الأدب المعاصرين الاستمرارُ بملاحقة هؤلاء اللصوص، وتكثيف الحملات عليهم؛ حتى لا يسود الظلم، والحيف في مملكة الأدب؛ ولحتى تبقى هذه المملكة مزدهرة، بصدق بنيانها وبيانها.
أحمد دلّال
مجلة أزرق - العدد العاشر

1 تعليقات
أحسنت الطرح أبو حميد، موضوع السرقة الأدبية بدأ يظهر بكابع سلبي وسيء وك جريمة بعد أيام شكسبير فحسب معرفتي، كان شكسبير يسرق ما طاب له من قصص تاريخية لا كاتب حقيقي لها.. واستمرت هذه الظاهرة الى حين ظاهرة سرقة المسرحيات بين كتاب المسرح، ومن ثم ظهر اختراع الطابعة في المانيا، بالفعل أصبحت فجأة جريمة بعدما كانت عمل طبيعي لأي كاتب..❤❤❤ أحسنت خال ❤
ردحذف