وفاء الشبيب | رحل أبي! ورحل معه كل شيء


لم أكُن أفقه جيدًا الحكمةَ من الموت ،ولم أكن أدرك أنّ الحياة مراحلَ متعدّدة، وأنّ الموت أحدها، لم أكن أعرف من الموت سوى فمٌ كبير مظلم يأتي ليبتلع الأشخاص، فلا يعود بوسعهم العودة إلينا مُجدًدًا، رأيته في المرة الأولى، وهو يبتلع أبي ،كان نائمًا، إلى تلك الدرجة التي لم توقظه صرخاتُ أمي اللامتناهية، ولا حتّى دموعي المنهالة، كنتُ أشعر بكل شيء ،أتوقع حدوثَ أي شيء، أما شعور الفقد فَلَم أكن أتوّقعه مُطلقًا، لكنه عندما أخذ أبي أدركت وقتها ما هو الموت أدركت معنى الفقد، لحظتها رأيت أخي يحضن أمي ،ويخبرها بوفاة أبي، وانهياره لم يفارقني أبدًا
هل حقاً نستطيع أن ننسى؟؟!
يجول هذا السؤال دائماً في ذهني لكن الجواب لا نستطيع
نحن نحاول أن نتخطّى ،وننسى بانشغالنا بشيء ما عندما نتذكر
كيف علينا أن ننسى، وهم الذين كانو بجانبنا في كل لحظة، ساندونا عندما وقعنا ،هم الذي نهضوا بنا كيف نستطيع؟؟

كيف نستطيع؟؟
كيف نستطيع ،ونحن نتذكر دعواتهم ،ضحكاتهم ،أحاديثهم ،أحلامهم ،مساندتهم لبناء أحلامنا ،ولولا توفيق الله ،ومساعدتهم لما وصلنا إلى هنا..
حين كنت صغيرة ثمةَ صورة طبعت داخل جوف عيني لمجرد أن أغلق عيني ،فأظلّ أرى ما سكن داخلها ،صورةٌ ستظل عالقة في مخيلتي حتى موعد رحيلي ،وحين أغمض عيني أراها بين جفوني ،فيرتاح بدني لرؤيتها، اغفو بسلام ،وحين بات القدر سريعاً، أخذ جزءاً من صورتي العزيزة ،وحكايتي التي أعيش معها منذ طفولتي لقد جاء اليوم الذي لم أكن في انتظاره أبداً.

جاء وسلب! فرحة كانت تسكن قلبي ، إنه الحياة ، والسعادة المرافقة لنا منذ الطفولة ، وحتى آخر نفس لنا ،أعطى الكثير لمستقبله رغم أنه لم يجد في ماضيه إلا الشقاء ،والبحث عن لقمة العيش بأي طريق...
إننا نتعايش مع روحه الساكنة التي نرى منها الجزء البسيط مما كان يراه،حين أخذه الله منا ليكون أمانة بين يديه بكل هدوء ،وسلام...إنّه يرقد أمامنا مسجى رغم الخوف الذي يسكن قلوبنا مبكرًا، أحسسنا بأن شيئاً غير طبيعي يحصل راود الشك أذهاننا، وحاولت أن أكسر الشك باليقين، وأن أتيقّن من هول ما أرى، اقتربت منه أكثر فأكثر، وبدأ الخوف يتعالى مرة تلو الأخرى.
حينها فقط أحسست بأن شيئاً قد حدث، وأن ما كنت خائفة منه قد حصل، عم المكان بالصراخ، والبكاء، والفوضى، مرّت ساعات لم أتذكر منها حتى الآن سوى صورته، وهو نائم، وروحه الراحلة بهدوء. أمسكت بيده، فأيقنت أن رحيل جسده قد حان أيضاً، حملته الأيادي، وأُخِذ إلى مثواه الأخير ،مضت الأيام سريعًا، ولا تزال روحه الغالية تنبض في أروحنا، وتمنحها الأمل لنعيش، ونتعايش من خلال تكملة المشوار
أبي الغالي مضى عامين على فراق روحك الرّاقدة، وما زال حبك يكبر يوماً عن يوم داخلنا، لا شكّ أنّ السنين تمضي ونحن معها نمضي حتى نلتقي في الجنّة



إرسال تعليق

0 تعليقات