تعتبر القراءة المدخل الأساسي للعلوم والمعارف وتبادل الأفكار والإطلاع على ثقافات الأمم والشعوب السابقة والمعاصرة فلولا القراءة لما استطاع أحد الوصول لأيّ معلومة سواء في ،، العلوم العلمية أو الثقافية وكذلك في العادات الاجتماعية ..
فما من أمة اهتمت بالقراءة وبزيادة معارف أبنائها إلا وقد نالت السمو والرفعة .. فالأمة الجاهلة لن تنال شيء من التطور الحضاري.
إن اهتمام الشعوب بالقراءة والكتابة منذ الأزل ؛ وبناء المكتبات جعلتها رائدةً بين الأمم و"الفراعنة" ،، سبقوا غيرهم في إنشاء المكتبات وأول مكتبة لهم كتبوا على جدارها : "هُنا غذاء النفوس وطب العقول" ولا ننسى حضارات بلاد الرافدين وإسهامهم في هذا النشئ العمراني.
وديننا الإسلامي منذ بدء الدعوة عُني ،، بالقراءة والكتابة وحظنا عليهما فكانت كلمة "اقرأ" أول كلمة نزل بها الوحي الأمين على رسولنا الكريم ،، كدعوة للعلم و وردت آيات كثيرة في كتاب الله عز وجل تدعو للتعلم ولا يتحصل ذلك إلا بالقراءة فهي حياة أخرى للانسان توسع له آفاقه المعرفية والثقافية ..
تعد القراءة من أهم وسائل نيل العلم والمعرفة ،، حيث حرصت الأمم المتيقظة على نشر العلم وتسهيل أسبابه ،، من خلال التشجيع على القراءة والعمل على نشرها بين جميع فئات المجتمع .
وكانت القراءة ولا تزال من أهم وسائل نقل ثمرات العقل البشري والأداب والفنون .
وإذا تأملنا بعض مواقف السيرة النبوية نجد اهتماماً كبيراً جداً بقضية القراءة منها : موقف فداء الأسرى في بدر ؛ فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب من الأسير المشترك الذي يريد فداء نفسه من الأسر تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة وفي هذه الحادثة إشارة واضحة على الاهتمام بالقراءة والكتابة في الاسلام.
"القراءة ضرورية للحياة مثل التنفس ،، قد نتمكن من العيش دون كتابة لكن ليس دون قراءة "
وإذا نظرنا إلى حال المسلمين أيام بدر وجدناهم بحاجة إلى الأموال فقاموا بالاحتفاظ بالأسرى للضغط على قريش ،، ورسولنا الكريم همه من تبادل الأسرى هو أن يعلم المسلمين القراءة والكتابة
كانت هذه نقطة مهمة في نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبني أمة الإسلام بناءً متكاملاً ،، حتى أن الصحابي الذي يستطيع القراءة كان يُقدم على أصحابه بعلمه ،، انظر إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه الذي قُدم على كثير من الصحابة وأصبح ملاصقاً للرسول عليه السلام بصفة شبه دائمة لأنه يتقن القراءة والكتابة فصار كاتباً للوحي وكاتباً للرسائل ومترجماً للسريانية والعبرية وكان مبلغه من العمر ثلاثة عشر عاماً فقط .
لهذه المواقف غرس حب القراءة في قلوب المسلمين ..
لا ننكر أن هناك عزوف كبير وملحوظ عن القراءة ويأتي السؤال :
لماذا يعزف الناس عن القراءة ؟!
عزوف الناس عن القراءة قد تكون لأسباب اقتصادية ؛ إذ يواجهون غلاء في أسعار الكتب وقصور الفرد عمّا يراه أهم من ذلك !
وقد تكون لأسباب إدارية ؛ حيث لا يحسن الفرد تنظيم وقته و لا يرتب أولوياته وأدواره الحياتية وعدم وعي وإدراك نتيجة لظروف اجتماعية .
كيف لنا أن نجعل من القراءة عادة ؟!
من خلال البدء بالكتب التي تجذب انتباهك والتي تكون محببة للنفس وزيارة المكتبات العامة ومكتبات القرّاء والعلماء والمثقفين والبحث عن القدوات ..
لتكن قراءتك ذات فائدة ضع أهدافك من القراءة ولا تقتصر القراءة على أهداف قليلة بل أهدافها كثيرة وعديدة منها :
1- الأهداف التطويرية ؛ حيث تقرأ ما يعزز المواهب ويصقل الشخصية .
2- الأهداف الثقافية والمعرفية ؛ كالقراءة العامة للمعرفة والإطلاع وزيادة المخزون الثقافي .
3- الأهداف الواقعية ؛ حيث من خلالها يتفاعل القارئ مع الواقع .
4- الأهداف التعبدية ؛ كقراءة القرآن وكتب العلم والسير النبوية وهي أعظم أنواع القراءة وأجلها ..
كيف أقرأ ؟!
اختر كتابك بعناية ؛ تتبع اهتماماتك وميولك .. اجعل مكان قراءتك مضاءاٍ وليكن جيد التهوية مهيء بكل ما تحتاجه من أوراق وأقلام ..
حدد عدداً من الكتب اللازم قراءتها خلال سنة أو خلال شهر ،، استخدم قلم في التعليق والتعقيب ومحاورة المؤلف ويفضل أن يكون قلم رصاص لمحو أثره وسهولة إزالته ،، كما يمكنك استخدام قلم تمييز أصفر للإشارة إلى أمر مهم وإلى ما تريد أن تذكره ،، استخدم ملصقات وفواصل جميلة لتحديد موضع التوقف ؛ لا تثني ورق الكتاب أو تضع قلم بداخله .
من المؤسف أن هناك من يتطلع إلى القراءة إلى انها مضيعة للوقت و عديمة الفائدة والواقع أن هناك العديد من الفوائد الناتجة عن القراءة التي تعود على القارئ ؛ فهي سبيل للتعرف على مختلف الثقافات وعلى العلوم بمختلف أنواعها كما أنها تعد مصدر مهم للإثراء اللغوي ؛ إذ توسع المخزون المعرفي عند الفرد من مفردات مختلفة ومتنوعة تساهم بشكل كبير بتطوير قدرته على الكتابة والتعبير عن نفسه وعمّا يجول بخاطره من مشاعر وأفكار .. وأيضاً تساعد على اكتساب مهارة التعلم الذاتي وتطورها واكتساب لغات أخرى غير لغته الأم كما أنه يحسن ويطور من اللغات التي يمتلكها ..
لا تقتصر فوائدها بهذه فقط هناك الكثير من الفوائد التي لا تعد ..
اجعل من القراء عادة يومية لك فلو قرأت كل يوم خمس صفحات من كتاب ستخرج بآخر الشهر بمجموع مئة وخمسين صفحة ؛ أي تسعمائة صفحة لمدة نصف عام فقط ،، أي بمعدل ثلاث كتب كبيرة وبمعدل ستة إلى عشر كتب صغيرة ومتوسطة وإذا قيس هذا على العام كامل فستكون قد خرجت بنتاج عشرين كتاباً في السنة ومع كل كتاب تجربة ومعرفة وفي كل كتاب معرفة جديدة .
هذا من خلال قراءتك خمس صفحات يومياً ،، فكيف لو زيدت لعشر صفحات ؟!
ستصبح مكتبة متنقلة في نهاية كل عام وستدرك حتماً حجم التغير في تفكيرك وأنه قد توسع وتفتح وأن مدارك معرفتك ازدادت وأن دنيا جديدة فتحت لك وأصبحت ملجأ لك وأنها منحتك القدرة على صنع هويتك فكلما توغلت في دروب الآخرين صرت أقرب إلى معرفة دربك الخاص ..
قد سدنا الأمم يوم أننا كنا نقرأ ،، فكلما تكاسلنا وابتعدنا عن القراءة سادتنا الأمم !
ابدأ ..
ابدأ من نفسك
اقرأ ..
فالمعرفة مجاناً
اقرأ ..
فالقراءة ضرورة
اقرأ ..
فالقراءة مفتاح المعرفة وطريق الرُقيّ
اقرأ ..
فالقراءة أفكار جديدة تتحدى العقل
اقرأ ..
فالقراءة نزهة في عقول الرجال
اقرأ ..
فالقراءة تشحذ الهمم وتصقل العقول وتنوّر البصائر ..
بقلم : هبة الحريري
0 تعليقات