في العقود الأخيرة طرأت العديد من التغيرات الهامة على أناط الشعوب التي كانت سائدة في العصور السابقة من الوقت، وحدثت هذه التغيرات نتيجةً للتطور التكنولوجي الهائل الذي دخل على الإنسانية والعالم، وظهرت لدينا العديد من المفاهيم والمصطلحات الجديدة، التي أصبحت جزءاً من حياتنا، كـ نتيجة لهذا التطور الذي أصاب البشرية، ومن المصطلحات التي دخلت على البشرية مصطلح "العولمة"
حيث هُناك أنواعٌ متعددة من العولمة منها: العولمة الاقتصادية، العولمة السياسية، العولمة الاجتماعية، العولمة الاتصالية، والعولمة الثقافية.
العولمة بأشكالها، ومنها الثقافية في ظاهرها نعمة ولكن باطنها هي نقمة علينا، وعلى ثوابتنا الثقافية، وخصوصيتنا الحضارية، ومنها العقيدة الدينية، واللغة، والتاريخ والعادات والتقاليد، والأعراف النبيلة. ولكن يجب علينا كـ مسلمين أن نحسن توظيف العولمة الثقافية واستغلالها لصالحنا وتحويل نقمتها إلى نعمة.
فما هي العولمة الثقافية؟!
هي واحدة من الاتجاهات التي انبثقت عن حركة العولمة حيث طرحت جملة من المفاهيم الحديثة، وبدروها أحدثت ثورة فكرية وثقافية جديدة تنتج عنها أنماط جديدة في التفكير، حيث أطلقت للمواهب والإبداع والابتكار، وقضت على السُبل التقليدية للتفكير علماً أن لها جانب اجتماعي، كونها ألَّفت الحواجز بين الدول، وأدت إلى نوع من التفاعل الحضاري بين البلدان المختلفة؛ ونتج عنها تغيراً واضحاً جذرياً في أنماط التفاعلات الإنسانية.
هُناك مظاهر للعولمة الثقافية منها : انتشار اللغة الإنجليزية وسيادتها، ويظهر ذلك من خلال اعتمادها كَـ مظهر ودليل قويّ للتقدم والرُقي، حتى باتت مكان اللغة الأم "كاللغة العربية" فنرى أن إتقان اللغة الإنجليزية شرطاً رئيسياً في مختلف جوانب الحياة، سواءً في العمل أم في المناهج التعليمية أم في الصحف والمجلات.
أيضاً ثورة التقنيات والمعلومات حيث تعتبر ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أكثر مظاهر العولمة الثقافية تأثيراً، فقد تمكنت من اقتحام مختلف أنحاء الأرض بواسطة الكابلات الضوئية، والفاكسات، ومحطات الإذاعة، وأصبحت بذلك مصدر ثروة قويّ على مختلف الأصعدة سواءً كانت اجتماعية، سياسية، أوثقافية.
وتفشي الثقافة الغربية في مجتمعنا وهيمنة الأنماط المعيشية الغربية عليها، يظهر بشكل جليّ من خلال تمرد الأبناء على الأُسر، والتفكك الأسري، وممارسة سلوكيات جنسية فاضحة، والانسلاخ عن الثقافة العربية والإسلامية، حيث تعتبر القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت من أكثر الوسائل المساعدة على هيمنة الثقافة الغربية.
جاءت العولمة الثقافية لتقديم خدمة للبشرية بشكل عام، من خلال تخطي عقبات الحواجز الجغرافية، وتسيير الشعوب نحو مصيرٍ واحد، بالإضافة إلى نشر القيم الإنسانية وحمايتها في مختلف أنحاء العالم، وكما تعتبر من وجهة نظر العرب وسيلة لنقل ونشر التقنية الحديثة حول الأرض، وإيجاد الحلول الجذرية للمشاكل التي تقف في وجه الإنسانية بالرغم مما تقدّم.
إلا أن العولمة الثقافية سلاح ذو حدين فإنها قاتلة للمجتمعات العربية التي وقعت ضحية رغبات المجتمعات الغربية في سلبها هويتها وقيمها وأخلاقها.
كما أنها سعت العولمة الثقافية إلى زعزعت تماسك المجتمعات العربية والإسلامية فيما بينها؛ من خلال غرس القيم والأفكار الثقافية للدول الغربية في عقول أبناء العرب والمسلمين، كما تتطلع ملياً إلى تأسيس بنية تحتية في المجتمعات الشرقية لهوية ثقافية وحضارية غريبة؛ بواسطة سلبها عناصر الممانعة والمقاومة.
لكُل شيء هناك عوامل ساعدت على نجاحه ومن العوامل التي ساعدت على نجاح العولمة الثقافية هي الثورة الإعلامية والتكنولوجية فقد ساعد الانتشار الواسع لشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية والثقافية؛ على إنجاح أهدافها وذلك بتوسيع رقعة الترويج للثقافة الغربية وإغراء المجتمع العربي والإسلامي بانتهاج أساليب حياة حديثة تواكب التطورات.
إضافة إلى ذلك "حرية التعبير"؛ إذ أنها استخدمت الحريات في التعبير عن الرأي بأسلوب مطلق حتّى بلغت الكفر؛ وبرز ذلك بالرسوم المسيئة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وفرض سيطرة الدول الغربية على وسائل الاتصال؛ فقد سيطرت على وسائل الاتصال والإعلام الخاصة بالعالم العربي والإسلامي بشكل خاص، وتوجيهها بما يتماشى مع هدف طمس الهوية الثقافية العربية شيئاً فشيئاً، وتمكين العلماء والدعاة المسلمين من تبليغ الرسالة الإسلامية والثقافة الإسلامية لكافة شعوب العالم؛ ومن ثم تمكين الثقافة الإسلامية من الانفتاح على الثقافات الأخرى بل، والتأثير الإيجابي فيها ونحن أمة أصحاب دين عالمي، وليس أصحاب دين قومي أو عملي.
وقال تعالى : "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا" وأصبح من واجب دعاة الإسلام وعلمائه، أن يستفيدوا بكل أنواع الوسائل الحديثة التي ظهرت في عصر ثورة المعلومات والاتصالات؛ لإيصال دعوة اللَّه إلى كل الناس، وبكل اللغات إن أمكن.
أزرق | هبة الحريري
0 تعليقات