الحنين المشتعل





الأماكن كلها تشتاق بالغياب لأهلها، يا له من منظرجميل، ولكنه حزينًا جدًا على أهله. باتت الحياة مظلمة حيث أخذ البعد يشوه الأشياء لتكون أكثر ضبابية، وكأن هناك غشاوة تغطي العين لتعكس كل هذا التشوه الذي أصاب الحي حزنًا؛ لأن سكانه بترت من روح المكان وانتشرت في هذا العالم الواسع، فيصعب عليه أن يخفي أناته، فطوال اليوم الحي يدعو الله مناجيًا رباه إن الأرض لأبنائها تحتاج لتعم السعادة بالمكان.

نعم سيأتي ذلك اليوم الذي تشرق فيه الشمس من جديد لتدخل من كل الثقوب الذي خلفها الظلام، وليتبدد ويكسو الضوء الأرض من جديد، وتنبثق الروح منتعشة لتنفض عنها كل إنات الليالي وحزنها الطويل، وتمحو لمعة العيون السعيدة غباش الغياب، ويمتد النظر إلى الأمل البعيد، وتصبح الدنيا أكثر وضوحا وتخضر أشجار الزيزفون لتهدي عطرها إلى من مروا بذاك الطريق.

وفجأة ترى خيال من غاب ونشر حزنًا مديد تحاول الأرض أن تعود بالذاكرة للوراء، هذا فلان وذاك فلان، ولكن شوهت الغربة ملامحه الجميلة..!
كم هي قاتلة الغربة ..!كيف تقسو على من لجأ إليها تاركًا بيته وأرضه وكل رابطة حب، ويكون ردها على من ذهب ليحتضنها ظنًا منه أنها الشفاء من كل سقمًا مريرًا، ولكن كانت تغرس سيف قسوتها بأعماق من ذهب إليها، أوكأنها تخلص لأهلها وسكانها رافضة كل شخصا دخيل. كذلك هي أرض من راحوا، فهي مخلصة لهم تتذكرهم كل يوم وتنتظرهم على أمل اللقاء الذي سوف يبث الروح في المكان، وكأنه يسمع وطأ أقدامهم تعود..!

كأنهم يعودون ليملؤن الأرض الهادئة ضجة كبيرة وها هي الجدران تنبض بالاشتياق لتقبلها شفاه الشيخ والطفل الوليد، ولكن سرعان ما تصحو وترى أنها مجرد أوهام وهلوسات تتمادى بها الذاكرة كل يوم لتختلق وجودهم في المكان، لتخفف عن الحي حزنه، وتبدد الكآبة التي تنتشر بين أرجاء الحي ولكن مازالت الأبواب والنوافذ منتظرة اللمسة بقبضة أيديهم التي تعانق مسكتهم، كل يوم تنتظر العناق من جديد، فهل سيعود لقاء الأرض بالشيخ والطفل الوليد لتشرق شمس الحب في حي الغياب..!؟

بقلم: نسرين جنيد

أزرق - العدد الثاني

إرسال تعليق

1 تعليقات