رصيف المينا




رصيف المينا "
    دائما ما يعود المجرم لمكان الجريمه "جريمته".
شاب في بداية الثلاثين من عمره واقف على رصيف الميناء في ليلة بارده وممطره، يأمل أن يغسل المطر روحه ويعيدها له، لكن المطر وصوته لا يشفيه بل يحي به الذكريات .. ! كل قطره تلمس هذا الجسد الممشوق تكن كأنها جلدة تتفض روحه المليئه بالأوجاع، وتتعب عيناه الخضراوتان التي سرقت بريقها أيام الانتظار، لكن تلك الليله كانت بدايه لعبة القدر مره أخرى، بداية بسماع رنين الهاتف -نادرًا ما يسمعه-
_ مرحبا جاسر، أنا الدكتور حمزة
 _ أهلا
_ أرجو منك الحضور الى مشفي المدينه بأسرع وقت
كغير العادة استجاب جاسر لطلب الطبيب حمزة، وبعد مرور وقت قليل كان جاسر واقف أمام حمزة.
_ ها قد أتيت
_ ما تبحث عنه منذ ٣ أعوام، موجود هنا
تسارعت دقات القلب، وجن العقل وأجاب بلهفة
_ أين، وكيف ومتي ؟؟؟
_ حادث سيارة لكنها بخير
_ يمكن رؤيتها
_ بالطبع
خوف وقلق وتوتر وفرح وحزن اختلطت مشاعر جاسر ببركان من المشاعر، وانفجر بداخله نبضات قلبه التي تنبض بحروف اسمها "أ س ي ل"
باب غرفة المريضة يطرق
_ ادخل
صوت خطوات، رائحه عطره ،ورائحه المطر ملأت الغرفة، فتلاقت الأعين .. !وكاد لقلبيهما أن يخرجا من بين الأضلع. ! آه، لم تجد مفرًا من الدموع ها قد عادت الروح للجسد
_ أسيل
_ اخرج
_ أنا ...
_ لا لا أريد سماع أكاذيبك ، فقد تمزق القلب منها، فقط اصمت واخرج من الغرفه
_ حتي وان خرجت من الغرفه، لن أخرج من قلبكِ
_ ومن أخبرك أنك فيه .. !اسمع جيدًا إذ لم تخرج الآن سأؤذيك
_ هه، وماذا تستطيعين أن تفعلي. !
بدون تفكر نزعت كل الأجهزه الطبية المتصله بها واتجهت نحو الشرفة
_ إن لم تخرج فالحال، ستراني جثة هامدة بعد ثوانٍ💔
  وسط هذا التوتر يدخل حمزة
_ أسيل .. ماذا بك ؟
_ حمزة أعرف أنك من أحضره، لذا أخرجه من الغرفه قبل أن ... لم تكمل الحديث حتي سقطت على الارض، ليزداد التوتر ولا شيء متوقع سوى ردة فعل جاسر، حملها إلى سرير بكل خوف، وبدأ حمزة بفحصها، بعد إتمام الفحص رحل جاسر بعد أن اطمأن عليها.
             
7:00 am
أشعة الشمس تداعب أعين أسيل، لتستيقظ تلك الأعين الزرقاء الواسعة، وتصيب من يراها بالذهول وشعرها الكستنائي القصير، تلك فتاة الجمال اليوسفي فيها قد اكتمل.
 استيقظت، وهي تنظر بجانبها فتجد باقة من الورد تليق بجمالها ومعها رسالة.
" اسيل، أقدِّر غضبك، وأعلم بأنني كسرتك وأبكيتكِ، وأعلم بأنكِ أحببتني ومازلتِ تحبينني، وإن كنت سببًا في سعادتك يومًا، فالتعطفي عليَّ بلقاء واحد في المكان الذي بدأت فيه الحكاية.. !والتي لم تنتهِ بعد ..!أرجوكِ، لخاطر جمالك، وخاطر قلبك ليس لخاطري، وأنا كل ليلة سأكون بذاك المكان أنتظرك .. ! أحببتكِ وأحبك وسأبقى أحبكِ"
بعد أن قرأت أسيل الرساله تذكرت أول لقاء لهما على رصيف الميناء، منذ ٤ سنوات، في فصل الشتاء، "فصل الأوجاع".
ارتطمت به أثناء سيرها على رصيف الميناء
_ آسفة
بصوت باكي مرتعش من الأوجاع
_ أأنتِ بخير ؟
_ أ .. أ..أنا .. ابتعد عن طريقي
_ تريدين أي مساعدة فأنا جاهز.
رفعت عيناها لتراه
_ أواه، لا يليق الحزن بجمال عينيكِ
_ عيناي..!لم تجد خيار آخرًا..!
_ ماذا أصابك ؟
_ لا شيء، وهي تخفي كل الأشياء بداخلها، أوكأنه قد أصابها بقلبها.
كان أول لقاء لهما يمتلئ بالحزن، هه وآخر لقاء أيضًا
                     
بعد ثلاث أيام من خروج أسيل من المستشفى، قررت الذهاب لرصيف الميناء.
 ١٢:٠٠ بعد منتصف الليل تجتمع فيه جميع الذكريات التى ترمي بنا في حفرة الأوجاع. جاسر على رصيف الميناء، فجأة التفت؛ لسماعه صوت قدوم أحد..! _أسيل
_ يقولون أن النجوم تكون بالسماء ولا تنزل للأرض، لكن أمامي واحدة منهن الآن..!
_ هه، أنا لست نجمة يا جاسر فالنجوم بالسماء كثيرة ومتشابهة وأنا لا أتكرر.
_ أظن بأنني أخطأت
_ أنتَ دائمًا على خطأ
_ آسف
_ لما أحضرتني إلى هنا.. !
_مكان البداية
_ والنهايه أيضًا
_ لا توجد نهاية
_ أتذكر بأنني أخبرتك أن الحب فاسد هنا، وقد كنت على صواب
_ لا، لم تصيبي هذه المرة
نظرت له بعين اللوم قائله "لم أُصب "
_ أجل
_ ليس أنتَ من تقول إن أصبت أم لا، بل الحياة.
 وعمَّ الصمت، ثم تذكرت يوم ما اعترف فيها جاسر لها بحبه
             
_ يا الله..! أنا سعيدة جدًا
_ أسيل احتمِ من المطر
_ أيُّ أبله يحتمي من المطر وهو على رصيف الميناء .. !أيُترك هذا الجمال ليذهب هباءً..!
_ أسيل هل أنت بخير ؟
_ أنا بأفضل حالاتي يا جاسر
اقترب منها جاسر وأمسك بيدها
_ اثبتِ قليلًا
_ ماذا ؟!
_ أريد أن أخبركِ شيئًا
_ ماهو ؟!
 

بقلم : منة الله محمد

 

أزرق - العدد الثاني 

إرسال تعليق

0 تعليقات