"أحمدٌ إمامٌ في ثمان خصال، إمامٌ في الحديث، إمامٌ في الفقه، إمامٌ في اللغة، إمامٌ في القرآن، إمامٌ في الزهد، إمامٌ في الورع، إمامٌ في السنة" الإمام الشافعي، إنه إِمامُنا أحمد بن حنبل، رجلٌ من عمالقةِ عصره في الفكر والعلم. من أين ابدأ بالحديث عن شخصيةٍ غنيةٍ بالمعارف والأحوال بالأحاديثِ والأقوال، أقف عاجزاً فأنطقُ بعد صمتٍ وتفكير اللهم اجعل فيَّ خصلةً من خصاله أ زهده يبهرني أم ورعه أ صبره في الحق أم صبره عند المحن أ دفاعه عن الإسلام أم طلبه للعلم وسعيه إليه ..! هو الذي نذر حياته لطلب العلم حتى جال البلاد في سبيله، فهو الذي قال "ما بلغني حديثٌ إلّا عملت به وما عملتُ به إلا حفظته " . سأقطف من كل بستانٍ زهرة فشخصيةٌ كإمامنا أحمد بن حنبل لن تختصر ببضع كلماتٍ من لغةٍ عاجزة أمام روعته وورعه.
غيرته على الإسلام، ووقفته صامداً في وجه الباطل وكل من يشهد زوراً على الإسلام.
في حين أصبح المُعتزلة يتحكمون بأرجاء الدولة العباسية في عصر المأمون، ويلفّقوا التهم، ويتحدثون زوراً، كانَ موقفهُ صارماً يرفض كذبهم وباطلهم الذي يتشدقون به، ويقف في وجه الجميع ليخبرهم بأن القرآن كلامُ الله المنزل الذي لا شك به ولا بهتان وأنّ كلامهم الباطل.
حسناً لن أطيل الحديث عن المحنةِ التي وضعَ فيها والقتل والتعذيب والترهيب الذي طالت الإمام أحمد لثباته على كلمته الحق لكنّ الله مع الصابرين وحاشاه أن يترك عبده في شدةِ.
هذه المحنة المهيبة أمر الخليفة بأن يُؤتى بأحمد بن حنبل وصاحبه الذي ثبت معه على قول الحق وإذ هم في طريقهم إلى الخليفة فإذا برجلٍ من الأعراب يُقال له "جابر بن عامر"، فسلم على الإمام أحمد وقال له: " يا هذا، إنك وافد الناس، فلا تكن شؤمًا عليهم، وإنك رأس الناس اليوم فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه فيُجيبوا، فتَحْمل أوزارهم يوم القيامة، وإن كنت تحب الله؛ فاصبر على ما أنت فيه، فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تُقتل وإن لم تقتل تمت، وإن عشت ,عشت حميدًا"
في قلب المعاناة تأتي رسالةٌ ربّانية على لسان ذلك الأعرابيّ الذي ألهمه الله قولَ ما كان يجب للإمام أحمد سماعه ليقوي عزمه ويزيد من صبره ويمنيه بالجنةِ التي ليس بينه وبينها سوى الموت، أنِ اصبر إنّك على الحق ولو كان الكون ضدك فالله تعالى معك.
مواقفٌ عدة لا يسعني أن أنحّيها من مخيلتي عند ذكر الإمام أحمد بن حنبل فعندما اقتربا من جيش الخليفة ونزلوا بمرحلة، جاء خادم وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول: "يعز على أبي عبد الله أن المأمون قد سل سيفًا لم يسله قبل ذلك.. وأنّه يقسم بقرابته من رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لئن لم تجبه على القول بخلق القرآن؛ ليقتلنك بذلك السيف.. !" قال فجثى الإمام أحمد على ركبتيه، ورمق بطرفه إلى السماء، وقال: سيدي غر حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل، اللهم فإن لم يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته، قال فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل قال أحمد: "ففرحنا"
رحمةُ الله الواسعة جاءت في موضعها كما هو الحالُ في كلّ الأحيان ِ والأحوال، فالمحنة ليست على إمامنا فحسب بل هي محنةٌ المسلمين أجمع فبنصره ينتصر الإسلام، وكأنّها رسالةٌ جديدة من رب العالمين بأن اصبر لن تُهزم فرب العباد بقربك يسمعك ويجيب دُعائك . مات المأمون فهل مات الظلم؟ وهل انتهى العذاب؟
لا لم ينتهي فقد أصبح المُعتصم خليفةً ويحيطه المُعتزلة، نعم لم ينتهي العذاب فالآن بدأ وأصابَ إمامنا مالم يصبِ المسلمين من تعذيب وترهيب وقتل لكنّ رجلاً يستمدُ قوته من الله عزّ وجل فهل يستسلم ، سيبقى في وجه الظلم لن يخضعَ لكلامٍ لا يمسّ الحقّ بصلة .
قال أحمد : لست أُبالي بالحبس ما هو ومنزلي إلا واحد ولا قتلاً بالسيف إنما أخاف فتنة السَّوط . عن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه كان يقول : كنت كثيراً أسمع والدي أحمد بن حنبل يقول : رحم الله أبا الهيثم ، فقلت : من أبو الهيثم ؟
قال: أبو الهيثم الحداد لما مُدت يدي إلى العقاب وأُخرجت للسياط إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي: تعرفني؟ قلـت : لا
قال أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضُربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدين.
كانت رسالةً ثالثة؛ صبرتُ وتحملت العذاب فداء الشيطان فتتحمل يا احمد في طاعة الرحمن، تحمل فداء الجنة فداء ونصر للمؤمنين
الآن عقدة الأمر بين يدي إمامنا، فأبو الهيثم أخبره ما يكفي ليقوي عزمه ويثبته على كُل سوط فقد ألهمه الله ذلك الكلام ليلهم به الإمام أحمد الصبر.
الله لا يدعنا وحدنا، الله دائمًا بقربنا، لن يدعنا ولن يخذلنا، الله أرحم الراحمين، الإمام أحمد صَبَر وتحمّل فانتصر ولو تأخرت الإمدادات وكَثُر العذاب لكنهُ بمعيّة الله انتصر وبنصره انتصر الإسلام.
2 تعليقات
❤روعة .. موفق
ردحذف😍😍👍👍جميل جدا
ردحذف