الجحود



هم كحروف النكرة لا تعرف لصاحبها جميلًا، هم يرتدون المئات من الأقنعة في النهار وترمي أقنعتها آخر الليل لتعود كما هي، تقابل الذي تريده بالقناع الذي يناسبه إلى حين تحقيق طلبها تعود وكأن شيئاً لم يكن، وكأنها لم تعرف لها صاحب، نسيت الود وفضل الخليل لها،قلوب قد استأثرت بكل خير لذاتها، واجحفت حق غيرها، مُلئت حقدًاوغلًا.
تناسينا الأخلاق وقد عرفناها من شيم العرب، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم تلك الأخلاق ويزينها بالإسلام،كما قال في حديث له: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). 
حتى أصبحت عنوان الشعوب وأساس الحضارات، ومن أجلِّ وأعظم الوسائل التي يتعامل الإنسان بها مع غيره.

من يومنا ذاك إلى الآن أصبحت الأخلاق هي الجزء الأهم من ديننا العظيم، بل هي رسالتنا السامية. 
والمفجع بالأمر أن يقابل الإنسان المعروف بالنكران والجحود.للأسف لقد أصبح نكرانُ المعروفِ في هذا الزمن أمرٌ متفشيٌ بيننا، بين الكبيرِ والصغيرِ، الرجلِ والمرأةِ،إلى أن أصبحت قضيةالمجتمع الشائكة بل مرض العصر.

هذه القضية مست قلب الأم؛وذاك لنكران فضلها من قِبَل ابنها، وعقوقه لها.فالأخ يعق أخاه، والزوج يعق زوجته والعكس صحيح.

 وما هو أعظم من ذلك،نكران الإنسان لنعم خالقه التي أنعمها عليه، وأن أعظمها أن أتم الله للإنسان سلامة بدنه، وعقله، وأكرمه بنعمة الإسلام.

فالإنسان العاقل حين يرى الإحسان من أحد؛ يتوجب عليه أن يشكر من أحسن إليه سواء كان أب، أم أخ، أخت، زوج أو زوجة، صديق، جار، زميل عمل، ربُ العمل.
بعد العقل يأتي الخُلق، فالإسلام قد اقتضى أن يشكر جميلَ من أسدى الجميل له.

فحين تفني الأم عمراً كاملاً وتضحي بالكثير من أمور حياتها وتقاوم العذاب الذي تعرضت له، يأتي ابنها ويقابل التعب بالتململ، والكلام اللطيف والحنان بالبعد والجفاء، والنصح بعلو الصوت والتكبر.
شتان بين الثرى والثريا.
 وقد تجلى هذا الأثر في بيت قصيدة للشاعر معن بن أوس حين وصف نكران الإحسان من ولده فقال:

(فيا عجبًا لمن ربيتُ طفلاً .... ألقمه بأطراف البنانِ 
أعلمه الرماية كل يوم ...... فلما اشتدَ ساعده رماني
أعلمه الفتوى كل حيناً.... فلما طر شاربه جفاني 
وكم علمته نظم القوافي .... فلما قال قافيةً هجاني)

هذه الأبيات وضحت ألم نكران الجميل والحسرة على الولد الذي قضى عمرًا في تعليمه، ما يؤلم القلب.

أن ينكر معروفك أقرب الناس إليك فتكون طعنة تدمي القلب حزنًا فلا يكون فيه شفاء.
ما أقساك يا بن آدم تنكر من أتاك إحسانًا، وتناسيت في رخائك لي ولما اشتد كربك دنوت مني  ما غلب الإحسان أحدًا قط إلا من كان طبعه النكرانَ، كنت وحيدًا فقيرًا، فلما أنعمتَ عليك بفضلي نسبت الفضل لغيري، يا من أكرمت غيري ما نفعك حين اتخذت فقيرًا خليلًا. !يا من نسيت فضل معلمك ما نقص من قدرك لو شكرته. !

وأفضل سبيل إلى معالجة هذه المشكلة هي تذكير النفس بنعم الله عليها، فالإنسان محاط بنعم جمة وهو غافل عنها؛ لأن الإنسان بطبعه لا يرى إلا ما ينقصه، وغافل عن النعم المبذولة له: كالسمع والبصر والنطق...... الخ 
فإذا ما غابت عنه عرف  منزلة هذه النعم عنده. 

في آخر مقالي هذا أود القول لكل من قرأه: احتسب أعمالك لخالقك، فسبحان من يحفظها لنا ويجزي عليها المرة عشرة.

قد يغفل الإنسان عن جزاء المعروف، لكن صاحب النعم لا يغفل عن مثقال ذرة من خير حملتها في قلبك.

بقلم: لمى عيسى

مجلة أزرق - العدد السادس



إرسال تعليق

12 تعليقات

  1. سلمت اناملك الصغيرة الرائعة التي تحمل في طيات حروفها ابداعا متألقا كل مرة اكثر من المرة التي سبقتها واجمل مايميز مواضيعك انها من صلب الواقع والحقيقة انا كلي توق وشوق لمقالتك القادمة كاتبتنا الرائعة ♥️🌹

    ردحذف
  2. الله يسلمك يارب مدربتنا العظيمة 😘

    ردحذف
  3. روووعة 👌👌وع الوجع 🌸💙

    ردحذف
  4. كل الشكر للكاتبة لمى العيسى

    ردحذف
  5. هلق سليمان العيسى شو بيقربك🤔🤔

    ردحذف
  6. الله يوفقك يارب عنجد شي حلو 💚💚

    ردحذف
  7. سرد جميل جدا ابدعت🌹

    ردحذف
  8. ما شاء الله مقالة مؤثرةإلى الأمام

    ردحذف
  9. ما شاء الله مقالة مؤثرةإلى الأمام

    ردحذف
  10. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف