مدائن القلب




لكل شخص مدينة قد سرقت لبه وأصبح مهوسًا بها، وتعلق بأي خيطٍ قد يوصله لها، وإن كان الوصول لها أشبه بالمستحيل، لكن تضع بقلبك الايمان أنك حتمًا ستصل، وقد يكون سبب الوصول لتلك المدينة التي قد وضعتها بعقلك شيئًا قد افتقدته ببلدك، أو شيئًا بداخلك يكلمك أنه من المستحيل أن تراه إلا بتلك المدينة، وقد يكون حبًا قد افتقدته طوال سنينك، أو حلمً قد حلمت به طوال سنواتك لكنك قد أصبحت ترى أنه من المستحيل أن يتحقق بالبلد الذي تقطن به، لكن في داخل كل منَّا هناك مدينة، لا أحد يعرفها غير أنفسنا، لكل أحد صنع في داخله تلك المدينة وبناها رغمًا أنها كانت شبه قاحلة، خالية من أي شخص، لدرجة سكونها وهدوءها فيما قبل أنه كان بداخلها عقارب الساعة يُسمع بسبب خلوها من أي ضجيج؛ لأنها كانت تفتقد الكثير من الأشياء، وكلما كبر ذلك الإنسان كانت تلك المدينة تكبر وتتطور وتبنى بكلمات الحب والمواقف العابرة بنسمات الهواء، وبأغنية تستمع لها في انتظارك للمترو الذي ينقلك في كل يوم إلى عملك أو أيًا كان، بُنيت وامتلأت بتصرف عابر، فتلك المدينة لا تتطلب الكثير لبنائها، فقد يكون كوبًا من القهوة في ليال باردة في ديسمبر يجلبها لك شخصًا غريبًا، قد يبنيها كتابًا أثر بك، وأجبرك للبكاء رغمًا عنك، أو ذكرى شخص قد افتقدته وأنت واقف على نافذتك بعد الساعة ال12 مساءً على أمل أن يمر ذاك الشخص.


تلك هي المدينة التي تقع في شرق قلبك، والتي تستنزف كل قواها، ذلك هو عيبها الوحيد عند الألم، لا تعرف تلك المدينة أرضها التي هي القلب، ولا تعرف خيراتها وما تقدمه لها، تتصرف بأنانيه عند الغضب؛ فتجعل القلب يجن بسببها فيضرب 50 دقة في الثانية وتصل إلى عدد لا يصدقه العقل، تلك هي المدينة الحساسة التي تتظاهر بالقوة، وكبرياء تظهره أمام المحتالين الذين يأتون بمدافعهم وجنودهم لاحتلال تلك المدينة، لكنها تبقى صامدة وشامخة أمامهم، لكنها ليست إلا كطفلة صغيرة تبكي؛ لأنها أضاعت دميتها في زحمة أسواق العيد "ليست إلّا مدينة ذو ازدواجية "


‏جميعنا من زوار تلك المدينة، جميعنا نأتيها راضخين لها، نأتيها في أصعب أوقاتنا في أتعس لحظاتنا، نأتيها دون علم لنا كأننا قد فعلنا الزر الذي يضعنا في تلك المدينة تلقائيًا؛ فأصبح طريقها مرسومًا في عقلنا وقلبنا، فما هي إلا مدينة قد وضعت في شرق قلبنا...


‏ولدى تلك المدينة تؤام لها، بُنيت بذات الطريقة التي بنيت أختها، لكنها عكس صفات أختها، متمردة، شقية، مغرورة بذاتها، لكنها لا تتظاهر بالقوة؛ لأنها ليست إلا قوية في الداخل والخارج، تُوضع في غرب القلب أسفل أختها، فهم ليسوا إلا كالشمس والقمر، مكملين لبعضهم ومتناوبين، فالمدينة الأولى التي تقع في شرق قلب كل شخص ما هي إلّا "مدينة الأمل" التي نأتيها ونحن بحاجة فقط لبصيص الأمل؛ لنكمل به حياتنا ونتغلب على صعابها؛ فتستقبلنا مرحبة بنا ومتظاهرة بالقوة، فتعطينا ذلك البصيص الذي نكون بأمس الحاجة له، وتواسينا وتملأنا بكلام يرضينا ويشعرنا بالراحة فنغادرها ونحن مطمئنين. لكنها ليست إلّا خائفة وقلقة؛ لأنها تعلم بأنها ملأت عقلنا بما نريد؛ فتبقى قلقة علينا من التصرفات التي سوف تأتي من بعدها؛ فنغادر من مدينة الأمل لندخل إلى مدينة الأحلام التي قد بنيت لتستقبل ذو القلوب المكسورة، وأصحاب الحظ المعسر، أو الأصحاب الذين لا يملكون من الأساس حظًا، ففي البداية تبعثنا لدى أختها لنأتيها ونحن في كامل حماسنا، ليصبح لدينا حلم من بعد شرارات الأمل، فتلك مدينة الأحلام قوية ومتمردة، فتعطينا من تمردها وقوته ما يكفي ليصبح لدينا حلم؛ نقاتل من أجله، فنغادرها ونحن كلنا حماس واستعداد لتلك الحياة، لكن ما إن نضع قدمنا على أرض الواقع، لنتذكر أن الأمر ليس بتلك السهولة التي ظنناها في تلك المدينة، فمنا من يمتلكه الخوف، ومننا من يكون الحماس قد ملأ قلبه وغلبه، وطبعًا ذلك من حسن حظه؛ فيواجه الحياة ويصل إلى حلمه الذي قد بناه بسبب مدينة الأمل والأحلام.

‏مدينة الأمل والأحلام صُنعت من أجل انكساراتنا وتحطمنا، و الصعوبات التي انوجدت في هذه الحياة، فلولاها ولولا أن أبوابها مفتوحة طوال الوقت ولا تحتاج فيزا أو غرامة؛ لكنا قد تحولنا إلى أشخاص سوداويين، قد يغلبنا اللون الأسود ظاهريًا وداخليًا، لكننا أشخاص أموات على قيد الحياة، فقدنا طعم الحياة؛ فأصبحت في أعيننا سوداء اللون.
‏فكل الشكر إلى مدينة الأمل والأحلام ...

زينة


إرسال تعليق

1 تعليقات

  1. وااوووووو ابداااععععع استمرييي عزيزتي عندك قاموس عميق❤❤😄😄

    ردحذف