حواف الذاكرة



 كانت جلسةً مع الماضي، أصابني شيئًا من الذهول، أوراق عمرها الخمسين والستين سنة، كيس كرتوني مهترئ مثقَّب مفتوح الطرفين، وعقدة صفراء، ربما تقول لي لِمَ أصف لكِ الكيس..؟
كعادتي أحب دقائق التفاصيل، لطالما تكلمتُ معكِ بأعمق ما يكون، أحببتُ الرائحة القديمة، اشتممتها قبل أن أقرأ تلك الأعوام، وأسافر عائدًا بها إلى أول رسالة، أول لقاء، أول كلمة، أول صباح، وإلى البدايات بيننا. 

أعطيتني الورقة وابتسمتِ خجلًا ومضيتِ أنتِ وشعركِ، ورائحتكِ التي كمنت طوال السنين في هذا الكيس، تمنيت لو أن يديَّ تعانقكِ، فعلمت أنها لن تكفيكِ فعانقكِ قلبي وشريانه. وهذا قليل على حبيبتي؛ فتعانقكِ روحي، وكل ذرة هواء أتنفسها تحيطك،ِ وخصلات شعركِ كانت كافية لذاك الاقتراب، نصيرُ واحدًا، وأصبح كلي قلبًا كي أحبك،ِ لكنَّني صحوت من غفلتي، ولن أخفي عنكِ شيئًا، لقد تكاسلتُ عن فتح بقية الرسائل؛ لأن طريقة طيها كانت صعبة، وأصبحتُ عجوزًا، وأنتِ تعلمين الأحوال جيدًا...

أطفأتُ الشمعة وجئت إلى سريرنا، وسادتنا، نافذتنا وكل الأشياء التي تشاركناها سويًا، وغرفتنا التي لم تغادريها منذ زمن 
سأسرد لكِ ما كان منذ قليل: 
رغبتُ أن أخبركِ بتفاصيل الكيس حتى تتذكري كم أحببتِ الأكياس ذي العقد، وكنتِ تزيني بها كل مكاتب المنزل، وتلصقين أوراق الملاحظات الملونة على جوانبها بكلمة "أحبكَ"
هل مازلتُ حبيبكِ ؟ 
ذكرتُ لك الأعوام حتى تتذكري أنني أنا من اعترفتِ له يومًا أنه قلبكِ، وأنه شيئًا ما منكِ، وجزء لا يتجزأ.
فهل تجزأتُ ؟ 
أحقًا لم أعد أعني لكِ شيئًا ؟ 
كنتُ الهواء يومًا، أمازلتِ عند كلامك، أم أنكِ لم تعودي تتنفسي ! 

الرائحة يا حبيبتي تذكريها..! إنها تكمن في صدورنا، اشتمي يدي لعلها علقت بها، لعلها استقرت بين تجاعيد أصابعي وأسفل خاتمي...
لا عليكِ لكنكِ فعلتِ كثيرًا بي إن لم تتذكري 
"الصباح الأول"، فأنتِ بيدكِ البيضاء الناعمة قد أرَّختِ تلك اللحظة، قلتِ لي أنَّ تأْريخ اللحظات يهمكِ، والشوارع، والشبابيك، المساجد، وأطقم الصلاة، وفساتينكِ، كنتِ دقيقةً باختيار كل شيء 
أنتِ من صمم ستائر المنزل، واخترتِ اللون المناسب، 
وقلتِ أننا سنرى أنفسنا بين طياتها بعد السنين،
كما نقشت القصص على جدران الكهوف، حسنًا مرت السنين، أيننا ؟ 
ألم تعودي ترينني ؟ 
هل مِتُ أنا ؟ 

أحمر الشفاه خاصتكِ عالقٌ بين ذاكرتي ومرآتكِ، وشعركِ الطويل قد حفرت خصلاته طرقًا على أكتافي، ممرات تفوح منها العطور والياسمين.
تَذكَّريني، كفاكِ قولًا من أنتَ؟ كفى صهرًا بي 
- من أنا ؟ 

بقلم: أماني خطيب مشنوق

إرسال تعليق

1 تعليقات