أدب الرحلة | حلب
المدن هي تلك الحاضرات التي نثرها الإنسان كعوالم شاهدة على دوام الحضارة والملكوت البشري في الأرض والمدن.
المدن كما الإنسان تتسم بصفات قاطنيها، فإذا مالوا نحو الفن تجملت وإذا رقوا رقت بهم.
والرحلة هي النشاط الإنساني الذي يقوم به الإنسان لهدف ما، وغاية معلنة أو سرية.
وكانت الرحلة في سالف الزمان تسير عبر الراحلات والظعائن أو مشياً على الأقدام، واليوم في عصرنا اختلف معنى الرحلة وتغيرت وسائلها أهدافها.
فصارت الرحلة اليوم أيسر أمراً وأقل مشقة وأوجز وقتاً وأنجع فائدة للروح وللجسد.
وهذا كله قد أثر في أدبيات الرحالة الذي أضحوا اليوم سيَّاحاً يبغون متعة، أو مهاجرين يهجرون حرباً، أو حجيجاً يبغون عتقاً، أو باحثين عن علم وعمل.
وأدب الرحلة من الأدب التي خفَت في العصور الحديثة، إذ قل رواده، وندر شارعيه، وكان ذلك بسبب هجر الأدب بشكل عام، وعدم معرفة العرب بفنون أدبهم وتاريخ أقلامهم وذاك ما زاد الهجر واقتص من أدب العرب عمرا.
واليوم سنغرس في أدب الرحلة شتلة لزهرة فتية تبغي النمو في بساتين عيون القراء، عن رحلة سرناها بهدف رقيق كزهرة في قلوب سائرة، نحو مدينة كل طرق الحب تودي إليها.
حلب تلك المدينة الأثرية ذات تاريخ مخملي وسمعة مشرفة؛ إحدى مدن سورية، وعاصمتها الاقتصادية، ومن أقدم المدن المأهولة في العالم، الملقبة بالشهباء، كانت حلب الولاية الثانية في الإمبراطورية العثمانية بعد اسطنبول.
وتقع حلب شمال غرب سوريا حيث كانت عاصمة لمملكة "يمحاض الأمورية" ضمن العصر البرونزي، وتعاقبت عليها حضارات عديدة مثل (الحثية، الآرامية، والآشورية، الفارسية، الهيلينية، والرومانية، والبيزنطية، والإسلامية)
وإذا بحثنا في التاريخ دلت الحفريات الأثرية في القلعة على وجود معابد لحضارات موغلة، تقدس إله معبود في حلب اسمه "حدد" أورده الباحثون الأجانب ب "هدد" لصعوبة لفظ حرف ال(حاء).
لا يعرف الى حد الآن تاريخ بناء قلعتها العتيدة الشهيرة، إلَّا أنَّ ما هو مؤكد، وجود سبع أبواب لها، هي: باب الفرج، باب أنطاكية، باب قن سرين، باب الحديد، باب النيرب، باب المقام.
تعرضت حلب في ١٦ آب ١٨٢٢م إلى زلزلة كبيرة عُرِفَت عند المؤرخين بالزلزلة الكبرى، ليتهدم خلالها أغلب عمران المدينة، يعتقد بعض الباحثون أن سببه اصطدام نيزك بالقرب من ريف حلب.
اشتهرت حلب بطعامها اللذيذ والشهي، فسميت حلب بـ " أم المحاشي والكبب " فهي تحوي على ١٧ نوعًا منها، لذلك ليس من المفاجئ فوز مطبخها بجائزة التذوق العالمية، من قِبَل أكاديمية الطهي والتذوق العالمية في فرنسا ٢٠٠٧م.
وأيضا تشتهر حلب بخانها الذي استعمل كفنادق، مثل خان العلبية، وخان الجمرك، وكثير غيرها.
واحتوت على سوق المدينة الذي يعتبر من أقدم الأسواق المسقوفة في العالم، هناك تجد كل ما تحتاج من الإبرة حتى الجمل، لذا يعتبر في عصرنا الحالي أول مركز تسوق كبير "مول".
حلب هي الدائمة والأبدية، فرغم ما مر عليها بقيت وستبقى صامدة وشامخة كقلعتها، تفاجئ الجميع بما لديها من قدرات.
مررت بها مجدداًعام 2014، حينها سمعت طبول الحرب تدق قلوب وعظام الناس، ومع ذاك فهم يقاومون هذه الحرب بالحياة.
حين مررت بحي الجميلية الذي تحول حينها لسوق خضرة، سمعت صوت انفجار كبير، التفتُّ لأرى الناس يكملون حياتهم الطبيعية، تلك امرأة تختار باقة من البقدونس، وهناك رجل يشتري بعض الحلويات، أمامه طفل يمسك يد أمه ويغني غير آبه بصوت الموت.
مشيت حينها وصديقي ماراً بكل حلب شرقيها وغربيها، مررت بالمدينة التي غيرت حلتها وبدلت وشاحها فصارت أكثر حزناً وقهراً وصموداً معاً.
مشيت لأرى الحرب تجلس في الشوارع مترقبة الناس علَّ أحدهم يسهو فتختطفه من بين الجموع لتزج به في القبر.
استمريت وصديقي بالسير حتى وصلت جامعة حلب الشهيرة التي خرج منها الكثير من المبدعين والناجحين.
كانت جامعة حلب كالأم الثكلى، فكثير من طلابها وكوادرها غادروها بسبب الحرب، هي تنده عليهم كل يوم، تسأل عنهم زملاؤهم وطلابها، علَّ أحدهم يخبر الطلاب الغائبين أن العام الدراسي قد بدأ.
المدينة الجامعية التي كانت معدة كمساكن لطلاب العلم تغيَّر حالها، فقد صارت مساكناً للنازحين طلاب الحياة الذين فروا من وقع الحرب بين بيوتهم.
وصلتُ كلية الآداب الجميلة، التي هي مبنى ضخم كجوهرة في صحن المدينة، يقف أمام الكلية بكل شموخ الشاعر الشهير زهير بن أبي سلمى يخاطب الناس ويحادثهم بكل ما في شعره من حسن ونغم، كان هذه التمثال شاهدة مهمة في حياة طلاب الجامعة فهو ملتقى الأحباب وموعد الأصدقاء وتذكار الغائبين.
أخذت كوباً من القهوة وانطلقت نحو حديقة الأصدقاء، حديقة المواعيد، في هذه الفسحة تجد الحب يجلس على المقاعد الأسمنتية متظللاً ببعض الشجيرات يلقي قصيدة نزار قباني:
كل دروب العشق تودي إلى حلب.
بقلم:
زينة حلواني
ماهر دعبول
المدن هي تلك الحاضرات التي نثرها الإنسان كعوالم شاهدة على دوام الحضارة والملكوت البشري في الأرض والمدن.
المدن كما الإنسان تتسم بصفات قاطنيها، فإذا مالوا نحو الفن تجملت وإذا رقوا رقت بهم.
والرحلة هي النشاط الإنساني الذي يقوم به الإنسان لهدف ما، وغاية معلنة أو سرية.
وكانت الرحلة في سالف الزمان تسير عبر الراحلات والظعائن أو مشياً على الأقدام، واليوم في عصرنا اختلف معنى الرحلة وتغيرت وسائلها أهدافها.
فصارت الرحلة اليوم أيسر أمراً وأقل مشقة وأوجز وقتاً وأنجع فائدة للروح وللجسد.
وهذا كله قد أثر في أدبيات الرحالة الذي أضحوا اليوم سيَّاحاً يبغون متعة، أو مهاجرين يهجرون حرباً، أو حجيجاً يبغون عتقاً، أو باحثين عن علم وعمل.
وأدب الرحلة من الأدب التي خفَت في العصور الحديثة، إذ قل رواده، وندر شارعيه، وكان ذلك بسبب هجر الأدب بشكل عام، وعدم معرفة العرب بفنون أدبهم وتاريخ أقلامهم وذاك ما زاد الهجر واقتص من أدب العرب عمرا.
واليوم سنغرس في أدب الرحلة شتلة لزهرة فتية تبغي النمو في بساتين عيون القراء، عن رحلة سرناها بهدف رقيق كزهرة في قلوب سائرة، نحو مدينة كل طرق الحب تودي إليها.
حلب تلك المدينة الأثرية ذات تاريخ مخملي وسمعة مشرفة؛ إحدى مدن سورية، وعاصمتها الاقتصادية، ومن أقدم المدن المأهولة في العالم، الملقبة بالشهباء، كانت حلب الولاية الثانية في الإمبراطورية العثمانية بعد اسطنبول.
وتقع حلب شمال غرب سوريا حيث كانت عاصمة لمملكة "يمحاض الأمورية" ضمن العصر البرونزي، وتعاقبت عليها حضارات عديدة مثل (الحثية، الآرامية، والآشورية، الفارسية، الهيلينية، والرومانية، والبيزنطية، والإسلامية)
وإذا بحثنا في التاريخ دلت الحفريات الأثرية في القلعة على وجود معابد لحضارات موغلة، تقدس إله معبود في حلب اسمه "حدد" أورده الباحثون الأجانب ب "هدد" لصعوبة لفظ حرف ال(حاء).
لا يعرف الى حد الآن تاريخ بناء قلعتها العتيدة الشهيرة، إلَّا أنَّ ما هو مؤكد، وجود سبع أبواب لها، هي: باب الفرج، باب أنطاكية، باب قن سرين، باب الحديد، باب النيرب، باب المقام.
تعرضت حلب في ١٦ آب ١٨٢٢م إلى زلزلة كبيرة عُرِفَت عند المؤرخين بالزلزلة الكبرى، ليتهدم خلالها أغلب عمران المدينة، يعتقد بعض الباحثون أن سببه اصطدام نيزك بالقرب من ريف حلب.
اشتهرت حلب بطعامها اللذيذ والشهي، فسميت حلب بـ " أم المحاشي والكبب " فهي تحوي على ١٧ نوعًا منها، لذلك ليس من المفاجئ فوز مطبخها بجائزة التذوق العالمية، من قِبَل أكاديمية الطهي والتذوق العالمية في فرنسا ٢٠٠٧م.
وأيضا تشتهر حلب بخانها الذي استعمل كفنادق، مثل خان العلبية، وخان الجمرك، وكثير غيرها.
واحتوت على سوق المدينة الذي يعتبر من أقدم الأسواق المسقوفة في العالم، هناك تجد كل ما تحتاج من الإبرة حتى الجمل، لذا يعتبر في عصرنا الحالي أول مركز تسوق كبير "مول".
حلب هي الدائمة والأبدية، فرغم ما مر عليها بقيت وستبقى صامدة وشامخة كقلعتها، تفاجئ الجميع بما لديها من قدرات.
مررت بها مجدداًعام 2014، حينها سمعت طبول الحرب تدق قلوب وعظام الناس، ومع ذاك فهم يقاومون هذه الحرب بالحياة.
حين مررت بحي الجميلية الذي تحول حينها لسوق خضرة، سمعت صوت انفجار كبير، التفتُّ لأرى الناس يكملون حياتهم الطبيعية، تلك امرأة تختار باقة من البقدونس، وهناك رجل يشتري بعض الحلويات، أمامه طفل يمسك يد أمه ويغني غير آبه بصوت الموت.
مشيت حينها وصديقي ماراً بكل حلب شرقيها وغربيها، مررت بالمدينة التي غيرت حلتها وبدلت وشاحها فصارت أكثر حزناً وقهراً وصموداً معاً.
مشيت لأرى الحرب تجلس في الشوارع مترقبة الناس علَّ أحدهم يسهو فتختطفه من بين الجموع لتزج به في القبر.
استمريت وصديقي بالسير حتى وصلت جامعة حلب الشهيرة التي خرج منها الكثير من المبدعين والناجحين.
كانت جامعة حلب كالأم الثكلى، فكثير من طلابها وكوادرها غادروها بسبب الحرب، هي تنده عليهم كل يوم، تسأل عنهم زملاؤهم وطلابها، علَّ أحدهم يخبر الطلاب الغائبين أن العام الدراسي قد بدأ.
المدينة الجامعية التي كانت معدة كمساكن لطلاب العلم تغيَّر حالها، فقد صارت مساكناً للنازحين طلاب الحياة الذين فروا من وقع الحرب بين بيوتهم.
وصلتُ كلية الآداب الجميلة، التي هي مبنى ضخم كجوهرة في صحن المدينة، يقف أمام الكلية بكل شموخ الشاعر الشهير زهير بن أبي سلمى يخاطب الناس ويحادثهم بكل ما في شعره من حسن ونغم، كان هذه التمثال شاهدة مهمة في حياة طلاب الجامعة فهو ملتقى الأحباب وموعد الأصدقاء وتذكار الغائبين.
أخذت كوباً من القهوة وانطلقت نحو حديقة الأصدقاء، حديقة المواعيد، في هذه الفسحة تجد الحب يجلس على المقاعد الأسمنتية متظللاً ببعض الشجيرات يلقي قصيدة نزار قباني:
كل دروب العشق تودي إلى حلب.
بقلم:
زينة حلواني
ماهر دعبول
مجلة أزرق - العدد الثامن
أدب الرحلة



0 تعليقات