دواءُ كلِّ داء



جلس هناك وحيداً في زاوية المنزل القديم والتي لا أنوار فيها معتمةٌ، كأنها سجن تستجوبه الأفكار السلبية استجواب المتهم الوحيد، ليقع أسيراً ضعيفاً بريئاً ضحيتها، ويكبله الاكتئاب بأصفاده القوية المتينة، حتى يصبح بلا حراك أو قوة ، ولأنه لابد للهموم أن تستغل فرصة كتلك تستلذ بانتهازها، غدت كأنها محققٌ ظالمٌ يستمتع بإقلاق متهمه، تمنع عنه كل راحةٍ، وتتركه برهةً ليشعر بشيءٍ ضئيل جداً من الاستقرار، ثم تعود إليه لتقتل استقراره بكل برودٍ رويداً رويداً، فيصبح كالشمعة التي تذوب وتذوب حتى تموت فيها الروح المتِّقدة.

يملأ قلبه حزنٌ لا يرحم وتُثْقِل كاهله مشاعرٌ مجرمةٌ كما لم يحدثْ من قبل، في موقفٍ وحالةٍ تستجدي عطف الأعداء لشدَّتها ولا يحسده عليها بشريٌّ، وكأن زاوية البيت تقمَّصت دور القبر بما حوته، فيكاد قلبه الهزيل يتوقف تعباً معلناً نهاية القصة بموت بطلها من أول مشهد.

هل هي النهاية ...؟ تردد صدى هذا السؤال وكأنه سارَ لأحد. 

ثمَّ صوت بعيد أخذ يقترب شيئاً فشيئاً مجتازاً الغمام الأسود، حاملاً معه نوراً يطرد العتمة في تلك الزاوية، محطماً الأصفاد وكاشفاً للغمّة، مزيحاً عن الكاهل كل سوءٍ ومعيداً لضخِّ الدَّم في العروق.
مريحاً لقلبٍ بحاجة الراحة، قويٌّ لا يقف في وجهه شيء.

بدأ بعبارةٍ تختصر الكلام (الله أكبرُ الله أكبر) عبارةٌ مقصدها أن لا شيءَ مهما عَظُم أكبر من الله وقدرته، هكذا بدأ الأذان معلناً دخول وقت صلاةٍ جديد بعبارات الأذان التي تُخْضِع حتى قلوب الجاحدين فكيف بقلب ذاكَ المسكين.

وصل الأذان لكلِّ خلاياه باعثاً فيها النشاط من جديد وعند عبارة (حي على الصلاة) سرت الحياة من جديدٍ فيه فانتفض ليتوضأ غاسلاً جسده بالماء غير أن المتأثر بالغسل كان قلبه وكأنَّ مياه الوضوء العذبة المباركة كانت تجلي كل حزنٍ وتجبرُ كل خاطرٍ وتكسرُ كل حاجزٍ وتزيلُ كل عثرةٍ، بلسمٌ كان بأمس الحاجة له ذاك المجروح.

مشى إلى المسجد بخطواتٍ هادئة ، كل خطوة كانت تقرِّبه من نفسه أكثرَ فأكثر وتكسبه راحةً نفسيةً تمناها منذ قليل.
دخل المسجد وبدأ الصلاة فإذا بكل ركعةٍ تمحي الأفكار التي سكنت عقله ومع كل سجدةِ كان يسجدها كانت تتهاوى الهموم بلا رجعة، وأما عن الإكتئاب فقد خلعه مع حذائه حين دخل المسجد، ما كاد يقبض روحه منذ قليل تلاشى كأنه لم يكنْ، والقلب المتعب بنبضه عاد يتوهج قوّةً. 
واستمر هكذا حتى وصل (التحيات) ختم صلاته بالسلام فغمره السلام.


فالحمد لله الذي جعل لنا في اليوم خمسَ ولاداتٍ ، تميتنا الحياة وتحيينا الصلاة.

خالد العمر 

مجلة أزرق - العدد الثامن

إرسال تعليق

0 تعليقات