وحيداً في أورانتو



وحيداً في أورانتو.. 
هل تسمعوني؟ أرجوكم.. ردوا علي 
شريحتي لم تعد تستجيب.. هل أمزق فخذي الأيمن وأخرجها.. 
أخبروني بالله عليكم 
لا أحد يرد يبدو أنني فقدت الاتصال بهم.. 
أكاد أجن.. أجهزة التلاؤم البيولوجية ترسل إلى الفص الأيمن إنذارات بانتهاء الصلاحية ...
أرجوك ليس الآن.. 
تباً للزمن الذي لطالما حاصرني..
ااااه.. لم أكن أحلم بقضاء عطلة كهذه هنا!
أنا فقط أردت أن أبتعد عن ضجيج التكنولوجيا الذي حوّلنا إلى عبيد لها بإرادتنا..
أردت أن أبتعد عن الآلات والحروب والإنسان 
والانسان الآلة على وجه الخصوص 
أردت أن أعبد الله في فضاء واسع.. ألا يراني إله 
أنا أبتهل له كأنني أول المخلوقين وأن أسجد له كأنني أخرهم 
أردت أن أشبع روحي بالعشق الإلهي 
وأن أنعش قلبي بحب حنين الذي لم يغادرني 
لم يغادرني رغم كل شيء 
الآن ماذا سيفيدني الذهب الذي وأدته في المريخ القريب من هنا.. قضيت حياتي أجري وراء أسهم الشرائح المبرمِجة للإنسان.. اشتريت أثمنها وسافرت وحيداً الى أورانتو الذي لا يعرف به غيري 
لأقضي عطلة نهاية الاسبوع.. المكان هنا مدهش حقاً.. حتى أنني لا أستطيع وصفه.. لكنه بارد.. بارد جدا 
أكثر مما توقعت 
تباً لك يا يانغ.. أخبرتك المرة الماضية أن تضاعف ذكائي وليتك بذكائك الذي أشك بوجوده 
حقنتني بحقنة تساعدني على وصف المكان حولي 
لا يسعني الا أن أقول عنه أنه خارج نطاق تخيلي ووصفي 
يبدو أنني أهذي.. وماذا لو فعل.. من سيسمع وصفي هذا حتى لو استطعت 
وجه زوجتي آنا يطاردني بشراسة هنا 
هل لأنني تشاجرت معها قبل سفري.. لا أعلم 
ولكنها غريبة حقاً ولا تشبهني بدأت أؤمن بذلك 
لكم أصرت على المجيء معي ولكنني رفضت بعناد غبي 
كنت أريد منها طفلاً بيولوجياً كما أتيت أنا إلى هذه الحياة 
طفلاً يحمل خصالنا معاً.. يشبه أجدادي.. تجري في دمائه الاصول العربية التي بتُّ أحبّها بعدما تزوجتك آنا 
أن يكون حنوناً شهماً نبيلاً صادقاً.. 
الأهم من ذلك ليس آلة 
أو نِتاج حاضنة جينيّة..
في الفترة الأخيرة أصررتِ على وضع مشروع  طفلنا 
في المخبر الصيني الشهير
بحجّة أنّ صديقاتك المتعجرفات.. فعلنَ ذلك من قبلكِ 
لطالما ركّزتِ على أنّه سيكون فائق الذكاء.. وأرَدْتُهُ صادقاً 
كنتِ تحدثيني قبل النوم أننا سنغزوا الكواكب بكائنات المخابر المعدلة وراثيا كما نشاء.. وأنا أستاء 
حلَمتِ به خارقاً سيجابه العالم 
وصلّيتُ أن يكون منقِذَه من هذا الدمار التكنولوجي 
أردتِه ذكر اًو أردتُّها أنثى تحنُّ عليَّ 
ااااه يا أنا.. زواجي منكِ كان خطأً كبيراً جداً 
كيف تركتك يا حنين!
كيف هجرت رائحة الياسمين والوطن فيكِ وهربت 
كما الجبناء 
تركتكِ لألسنة الحرب وهربتُ 
كم توجعني هذه الفكرة يا حنين 
ولو علمتِ ? 
هل تذكرين الرسالة الاخيرة التي دسستِها بمعطفي قبل السفر 
كل يوم قبل النوم اقرأوها أضُمها كأنها أنتِ 
وأحنُّ إلى حنين التي تسكنني كالداء 
إنّك الماضي والذكرى الوحيدة التي لم أقبل 
أن يزيلُها يانغ من ذاكرتي 
على العكس تماماً.. أخذت حقنة ضد النسيان وأخرى لتعزيز عمل الذاكرة وإحياء المواقف المتعلقة بكِ 
لو تعلمين كم عانيتُ بسبب تلك الحقنة 
مكثتُ لأكثر من أسبوعين أتألم وأئن.
هاجمتني الذكريات بشكل شرس 
كنتُ أعلم بما سيحدث ولكنني قبلت 
قبلت كي لا انساكِ
يا لون الجوري وشذى الياسمين.. وغصة العمر  
الآن أريد أن أعود إلى الأرض لمدة دقيقة واحدة 
لأخبركِ كم أحبّكِ
وكم أحنُّ إليكِ يا حنين ...

يارا الحاج قدور

مجلة أزرق - العدد التاسع

إرسال تعليق

0 تعليقات