انهيار انثى




دَارت سَاعةُ الحَائطِ الزَمنيةُ معلنةً تمامَ الساعةِ الثَانيةَ عشرةَ بعد منتصفِ الليلِ لِتُخبرَ عِصفورها أن حَان موعِدُ تغريدهِ، وعَليَّ أن أُلملِمَ أشيائي وحَالتي المَأساويّةَ وأن أخلدَ للنوم الذي كَانَ يُناديني.. !

نَظرتُ مِن حَولي، قَهوتي جَعلتْ من أوراقي بَحراً مُزجَ بِحبرِ أقلامي التي كَسرتُها غضباً؛ وأوراقي التي مَزّقْتُها ورَميتُها أرضاً..

وأنا ضائعةٌ بفضاءِ غُرفتي كأرجوحةٍ تُأرجِحُها الرياحُ العَاتيةُ في مَدينةٍ هَجرها سُكانّها فبَقيتْ تُقاسي الضياعَ والشوقَ حتى أُنهكَها الانتظار فصدأَ قَلبُها مع بقاء أملٍ تلاشى مع مرورِ الزمن فَتحولتْ لشيءٍ مهترئ يُلقى به على أزقةِ الطُرقاتِ...!

صمتٌ أقسى من وَحشةِ المَكانِ وشَهقاتُ البكاءِ تتعالى وسيلُ الدموعِ يَجرُّ خلفهُ كُحلَ عينيَّ الشاحبَ الذي تحوَّل لبُقعةِ ليلٍ بِسوادها وصمتها وجُرأةِ الظلام الموحشِ بِها ...!

حالةٌ راودتني طَويلاً سئمتُ فِيها دورَ صَاحبةِ الشموخِ والكِبرياءِ! قَتلتُ فيها كبريائي واعتزلتُ تمردَ الأنثى المُتوقدةِ داخلي ...!


°خَائنٌ يا ليلُ جعلتني فتاةً ضعيفةً
وسرقت منّي أنثى الشموخِ والكبرياءِ

°أنت الذي وثقتُ به وأخبرته أسراري
فنقضتَ العهدَ بيننا بعدما كنت رجائي

°خبأتُ أسراري في ظلامكَ وجعلتها منسيةً
بِظُلمكَ فتحتَ قبر آلامي وكنتَ من أعدائي

دقائق تَمضي بأوجاعِها وثوانٍ تقْطرُ ألماً وأنا على شفا حُفرةٍ من الانهيار في قاعِ الأحزانِ المُظلمةِ وزنزانةِ الخوفِ الموحشِ، يَقتلُ صدى صُراخ قَلبي الممتلئ غضبَاً!

أيها الليل، أنا مُتعبةٌ كثيراً..
فمن كَثرة آلامي اقْتبستُ من وشاحِكَ الأسودِ رداءً ومضيتُ به مُتخفيةً هاربةً من كلِّ شيءٍ حَتى من نفسي...!

أيُّها الليلُ أعدْ لي تِلك الفتاة العاشقةَ الساهرةَ على خَربشاتِ النجومِ وضوء القمرِ، على ألحانِ الكمانِ ورحيق الورود وعبق الزهر ...!

أعدْ بريقَ ابتسامة عينيَّ الذي تحوّل لِسائلٍ لزجٍ مُلطخٍ بسوادِ الكُحلِ الذي تزيّنتُ به صَباحاً، والآن قدْ صارَ بحراً غرقتْ به عينايَ ففاضتْ ألماً وحزناً، وباتتْ رُوحي في غيابة اللاوعي..

أيها الليلُ قُلْ لي هل أنتَ راضٍ الآن؟!
على فتاةٍ ركعتْ على رُكبتَيها يأساً تُلملمُ أشلاءَ روحها المُتناثرةِ، وذكرياتِها التي طَوّقت عُنقَها بِغصاتٍ وشَهقاتٍ متعاليةٍ تحبسُ أنفاسي بشهيقها..

خائنٌ أنتَ أيها الليل جعلتني مَكسورة الجَناح أُناجي سائلاً يُضمّدَ جِراحي ويَمسحُ عليَّ بيده لمسةَ حنانٍ تأوي بي إلى طريقِ الصوابِ وتُعيدَ قلبي لِسكةِ قِطارِ أحلامه الذي أخمد أمله مع كُل صفعة من صفعات الحياة!

حَكمتَ عليَّ باليأسِ والإرهاقِ بذكرياتِ الماضي الأليم؛ بعدما دَفنتُ جِراحي وأحزاني مع أصحابِها في مقبرةِ النسيان؛ عدتَ بي إلى أولِ جُرحٍ من حبيبٍ غادرٍ قَد قلبي بفُراقه؛ وإلى أول خيانة ممن كانت الأقرب من حبلِ الوريد الى روحي ...!

لَم أكنّ أعلم أنكَ سَتخبرُ أسراري؛ وتفتحُ جراح الماضي وَتلقي بي في هَاويّةِ الظلمِ والعذابِ.

أيّ تيهٍ الذي وضعتَ قلبي به، وأيّ ضياعٍ هديته لروحي بعدما كُنت بَلسم الجراحِ والمواجع كُلها، فالآن أصبحتَ مَوطن الآلام جميعها...!

°أنا التي شكيتُ لكَ ما في القلبِ
من ألمٍ أَيُرضيكَ ما فعلته من آلامِ

°أنا التي رسمتُ بنجومكَ أحلامي
واليومَ بنفسك مزقتْ ورقةَ أمالي

هل أنت الآن راضٍ لذلك!

زهراء خليل 

مجلة أزرق - العدد التاسع

إرسال تعليق

0 تعليقات