التزم الصمت




زينة حلواني | التزم الصمت

أنا هناك في تلك الغرفة السّوداء ذي الإنارة الخافتة، حيث الهدوء يمتلكها ورائحة السجائر تملؤ أرجاء الغرفة، التي تتكون من أغراض مكوّمة في أحد زواياها، حيث خزانتي لم تحوِهم لها، وسرير قد احتواني في أتعس وأسعد أيّامي من دون مقابل، وخزانة تحتوي بضعٌٍ من أقنعتي؛ التي أرتديها عند الخروج لأبدو وكأنّي من أسعد الأشخاص التي قد تراها في حياتك، وهناك مكتبي حيث أكون واضعة رأسي عليها، ومحوّطتها بين يديّ، وأحاول أن أكبح أفكاري المشوّشة؛ بإغلاق فمي، فالصمت هو ذلك الرغبة التي قد تأتيك لتحذرك بأن أي شيء سوف تتفوه فيه سيأخذك إلى الدّاهية؛ فألتزم الصمت، وقبل ذلك أربط نفسي بسلسلة؛ لأتحكم بنفسي وآخذ ذلك النفس الذي لطالما أخذته، لكن من دون أيّ فائدة، ولعلّ هذه المرّة سيفيدني إغلاق فمي الذي يضعني في مصائب الدنيا ،ومن ثم أقطع قطعة من اللاصق الذي يُلصق الأشياء بإحكام شديد وأضعه على فمي بكل هدوء وإحكام، وأجلس أنتظر أيّامي؛ لتمر أمام عينيّ بكل اعتياديّة، من دون أن أُظهر إلى أيّ شخص ما يمر بي؛ فأدعُ تلك الأيّام تمر؛ متمنّية أنّ ما أغلقت فمي من أجله أن يُنتسى وكأن شيئًا لم يحصل، وكأن أمرًا لم يقع؛ فألعب على نفسي وعقلي تلك الّلعبة لعلَّ عقلي يَنسى، فأُشتته وأُلهيه بأمور صعبة أو سهلة لا فرق بذلك، بهدف أن أصل إلى نهاية يوم مُتعب، لا حيلٍ لي سوى أن أضع رأسي على تلك الوسادة؛ التي لم أشاركها سوى دموعي وهمومي ونوباتي العصبية؛ فأُغمض عينيّ؛ فتصبح رؤيتي سوداء، لأعيش موتي الأصغر الذي له عودة بعد الذهاب، دون أن أسمح لعقلي تلك المساحة للتفكير بأي شيء، أن تجعل عقلك يلهو في أشياء أخرى؛ فتلك الحيلة أحسن من أن أشارك همومي وأسراري لأحد لا يفهم ما أمرّ به؛ ليتصفن بي وأنا أخبره بأعظم أموري بظني، ولكن لا يبدي أي اهتمام لما أقوله؛ ليحسّسني أن ما أشعر به، أو ما أمر به سوى سخافة لا أهمية لها، فأصفع على وجهي، وأعض شفتيّ، وأظافري ندمًا على ما فعلته، وبكل أسف وحزن ألعن نفسي سرًا؛ على ما فعلته في نفسي من أضحوكة أمام الآخرين؛ لأجعل في النهاية من نفسي بئر أسرار، فأجعل من عقل   قلبي أصدقاء الدرب، أناقشهم فيردون علي بحكمة وعاطفة؛ فأرى الدنيا برؤية أوسع، وفي النهاية أنادي نفسي في كل مصائب الدنيا؛ لأجد نفسي بجانبي، حيث تستمع لي وتثق بي، وبكل خطوة أخطوها تقف بجانبي، وترشدني إلى الطريق الصحيح، وأطلب من نفسي أن لا تتخلى عني؛ فتشد على يديّ لتصبح توأمي، وما هو إلا أنا تلك "نفسي" فلا أحد سيصدقني، ويستمع إلي ولا أحد يريد الخير لي، والأفضل لي سوى "أنا" و "أمي"...
فلا تفشِ سرك لأحد؛ لأن الأشخاص ليسوا سوى جسم عاكس يرددون أسرارك في الأرجاء ...
فالتزم الصمت ..

 زينة حلواني

إرسال تعليق

0 تعليقات