لقد فضّل الله سبحانه وتعالى المسلم المتعلّم عن غير المتعلّم، وتمايزت طبقات المجتمع بين عالم ومتعلمّ وجاهل، فهي طبقاتٌ تتدرجُ من قاعٍ مزدحمٍ بالجهلِ والفقر الفكريّ ونقص الوعي، إلى القمّة حيث نور العلم يسطع في رأسِ الهرم، مروراً بالطبقات المتوسطة التي انتشلها وحي القلم من بئرِ الجهل.
لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنَّ في ذلك بيانٌ لقيمةِ الفردِ في مجتمعه، فللمتعلّم دور رئيسيٌ في قيامِ الحضارة ونهضة المجتمع، ولهُ الأحقيّة في رعايتهم وولايتهم، وآراؤهُ مستحسنة، وتعليماتهُ منفّذة. فبالعلمِ ترقى الأُمم، ويسودُ مجدها، إذا ما تلاحمَ جميعُ أهلِ العلمِ بجميعِ طبقاتِ المجتمع، فلا ينفَكُّ دَورُ المهندسِ عن البنّاء، ولا الأستاذِ عن التلميذ، ولا الطبيبِ عن المريض، فكلّ طرفٍ هوَ بحاجةِ الآخر لتكتمل المهمة.
وهنا يبرزُ شرطٌ أساسيٌّ لبناء الحضارة، مقدّمٌ على العلم، وهو الأخلاق، فبالرَّغمِ من سموِّ الطبيب بمكانتهِ وعُلوِّهِ بعلمهِ، إلا أنه سيفقدُ كلّ وقارهِ وسمعتهِ إذا ما فقدَ الحلقة الواصلة بينهُ وبينَ من هم دونه، وكذلك المُعلّم والشيخُ وكلّ من بيدهِ شعلةُ علمٍ قد تنيرُ أفئدةَ النّاس.
{ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجات}.. لقد جعلَ الله في هذه الدنيا الغنيَ والفقير، المتعلمَ والجاهل، قسّم الأرزاقَ بينهم، وبيّن أدوارهم، وبثَّ في نفوسنا مشاعر الإنسانيّة، ورزقَ الإنسان الضمير، وخلقَ الأسبابَ لتحفيزها، وأنزلَ توجيهاتهُ لتستمرّ الحياةُ بانتظامٍ وتفاهمٍ بين الجميع {ليتخذَ بعضهم بعضاً سُخريّاً} ليكونوا عوناً لبعضهم، وليلينَ المتكبّر بعلمهِ، فما هوَ إلا بشرٌ حُمِّلَ بأمانةِ العلم، فيُنظرُ ليُرى هل سيؤدّي الرّسالة؟
لا يمكنُ أن يكونَ بذلٌ بلا مقابل، فهيَ سنّة الكون للمعيشة، ولكن ألا يكونَ عملٌ متقنٌ دون احترامٍ لمشاعرِ من هم في الطبقة الأدنى وأخذِ مقابلٍ فوق كل ذلك، ما هوَ إلا نصبٌ واحتيال، ولن يباركَ الله بعلمهِ أو ماله، وهذا ما يحدث بغيابِ الرّقابة، واستغلالِ النّاس في الحرب.
وإذا ما تراكمت هذهِ الأخطاء، واستغلال الغَير، ومنها تَضاعفت الأموال، يقسو القلب ولا يهتم للمصلحة العامّة، فتُخلقُ الفَجواتُ بينَ أفراد المجتمع، ويَسقط اعتبارُ أصحاب العلم، ولا يتقبّل النّاس منهم أيُّ نُصحٍ أو كلام، فتحدثُ الفوضى، وتنعدمُ الثقة، ويظهرُ الفساد.
لذا، لا بدّ للجسدِ بأن يلتحم، وأن يكونَ الجميع عوناً لبعضهم، ولنرأف بحال أمةٍ أنهكها الجهل والتشتت والفساد، علّنا نسمو بعلمٍ نشرهُ أجدادنا في أرجاءِ المعمورة، علّنا نكتبُ التاريخ بصفحات المجد، ولا يكتُبنا بصفحاتِ النسيان.. {ورحمةُ ربّك خيرٌ مما يجمعون}.
عمرو بكور
مجلة أزرق - العدد الثاني عشر

0 تعليقات