حديثيَ اليوم عن بحرٍ لا يَحدَّه أيّ عمق، عن بحرٍ مهما أبحرتُ فيه وأطلت بالحديث عنه لم يزلْ هناك متسعٌ للحديثِ عنه.
ألا وهو (اللغةُ العربيّة)
فاللغةُ العربيّة هي لغةٌ سامية يتحدثها أكثر من ٤٢٢ مليون لسان، وهي اللغة التي ضربت بجذورها في عمق التاريخ، وتكيَّفت مع مُختلف الأزمنة والأمكنة، فحافظت على مكانتها، بل وزادها ذلك انتشارا.
كما أنّها لغةُ القرآن الكريم، ولغة سيّد البشر محمّد صلى الله عليه وسلم، ولغة الضاد فقد قال الشاعر أحمد شوقي فيها: إن الذي ملأ اللغات محاسنا..... جمّل الجمال وسرّه في الضّاد.
•أهمية اللغة العربية:
وتنبع أهميةُ اللغةِ العربيّة كونها:
_ لغةُ الضّاد، وستبقى اللغةُ الوحيدة القادرة على الإحاطة بكل الجوانب العلمية-الدينية- الفكرية- الاقتصادية، فإلى جانبٍ آخر أنّها لغةُ القرآن الكريم الذي تكفّل الجليلُ بحفظِه، فلقد اعترفت الأُمَم المتّحدة باللغةِ العربيّة كلغةٍ رسميّة سادسة في العالم في ١٨ديسمبر ١٩٧٣، وهو اليوم العالمي لهذه اللغة العريقة.
_ويقول الدكتور رشدي أحمد طعيمة: إنّ اللغة العربيّة وعاء الحضارة واسعة النطاق، عميقة الأثر، ممتدة التاريخ، لقد نقلت إلى البشرية قي فترة ما أُسس الحضارة وعوامل التقدم في كل العلوم الطبيعية، والرياضيات، والطب، والفلك،
والموسيقى
-لا يمكن فهم الإسلام دون اللغة العربيّة
-أنها لغة عزٍّ للأُمّة: فالمسلم يفتخر بإسلامه وتُراثه الحضاري الذي بقي مخلداً لآلاف السنين، فيجب أن يعرف كل عربي أن اللغة العربيّة هي مقومات الدولة الإسلامية وشخصيتها، وهي وعاء للمعرفة والثقافة
-مصدر مشترك بين الدول العربية فجميع الدول العربية تشترك ب (اللغة، والدين، والثقافات وتنوّعها)
-كونها اللغة الحضارية الأولى في العالم
-تعد من اللغات الإنسانية السامية والتي ما زالت محافظة على تاريخها اللغويّ والنحوي منذ قديم الزّمان
-اتساع اللغة العربية بأنها ثابتة في جذورها ومتجددة بسبب خصائصها وميزاتها العديدة.
وبحسب ما بينته الدكتورة تحية عبد العزيز إسماعيل في دراسة لها تسمى "اللغة العربية أصل اللغات"
أن اللغة العربية أثرت وبشكلٍ ملحوظ في اللغات الأخرى، حيث أجرت مقارنة بين الكلمات المشتركة في العربيّة ونظيراتها في اللغاتِ الأخرى مثل الإنجليزية، واللاتينية، الإيطالية، والألمانية، فوجدت أن حجم التأثير الذي فعلته العربيّة على غيرها من اللغات كثيرة، وأنها تفوق باقي اللغات، كما عبّرت عن ضيق اللغات الأخرى وفقرها، حيث تحتوي اللاتينية على سبعمئة جذرٍ لغوي، والسكسونيّة على ألفا جذر، بينما العربية على ستة عشر ألف جذرٍ لغوي.
•خصائص اللغة العربية:
للّغةِ العربيّة خصائصٌ فريدة تتميّز بها عن باقي لغاتِ العالم وهي:
١-الأصوات: وهي المميزات التي تعبّر عن اللغة لأن نظام النطق فيها مناهم أنظمة الكلام اللغوي حتى يخرج الكلام بنطقه من اللسان، والحلق، والحنجرة من أجل النطق الصحيح لأحرف العربية، وإخراج الحروف بنطقٍ سليم، كما أنّ الأصوات تقسم في اللغة العربية إلى عدة أقسام أهمها أصوات الأطباق وأصوات الحنجرة وغيرهم.
٢-المفردات: وهي الكلمات التي تتكون منها معاجم اللغة العربية وتتميز بأنها أغنى المعاجم مفردات، وتركيب، لأنها تحتوي على أكثر من مليون كلمة، كما أن المفردات الأصليّة في اللغة العربيّة تُعتبر جذور ثُلاثية للكلمات الأخرى، فبالتالي يُنتج الجذر الواحد العديد من الكلمات والمفردات باللغة العربيّة.
٣-اللفظ: وهو الطريقة التي تُنطق بها اللغة العربيّة، وهي الاعتماد الذي تستخدمه في حركة النطق، ويطلق عليه اسم التشكيل لأنه يتغير اللفظ الخاص بالكلمة على حسب تشكيلها وليس حسب كتابتها، والتشكيل هو الحركات التي تُكتب على الأحرف والكلمات.
٤-الصّرف: وهو أسلوب يرتبط بالمفردات ويعتمد على الكلمات التي تتكون من ثلاثية الجذر، وقد تُصبح رباعيّة أيضاً في بعضِ الأحيان بوجود صيَغ مميّزة للكلمات الخاصة بها مثال على ذلك: تحويل الكلمة المفردة إلى المثنى، والمثنى إلى جمع وهكذا.
٥-النحو: وهو تعريف أساس الجملة في اللغة العربيّة ويقسم النحو في اللغة إلى قسمين أساسيين هما الجملة الاسمية، والجملة الفعلية، ولكل نوع من جُمَل اللغةِ العربيّة له قواعدٌ نحوية يجب صياغتها بطرق صحيحة.
•مميّزات اللغةِ العربيّة
للّغةِ العربية ميزات عديدة أهمها:
١- أول ما يميزها أنّها لغة القرآن الكريم، فهي اللغة التي اصطفاها الله تعالى من بينِ جميعِ اللغات لتكون لغة ذلك الكتاب الكريم، قال الله سبحانه وتعالى: (إنّا أنزلناهُ قرآناً عربياً غير ذي عِوجٍ لعلّهم يتقون)
٢-تعتبر اللّغة الفصحى -التي تعني معجمياً: الأوضح والأكثر قدرة على التعبير-
٣-لغةٌ فخيمة: حيث تتّصف بعض حروفها بالتفخيم، والتفخيم هو صفةٌ للحرف، ويسمى الاستعلاء كذلك، وهو ارتفاعُ اللّسان إلى الحنكِ الأعلى عند النطق بالحرف، وأحرف التّفخيم مجموعة في قولهم [خُصَّ ضَغْطٍ قِظْ]
٤-أنّها لغةٌ واسعة: توجَدُ في اللغة
العربيّة مُفرداتٌ ذات دلالاتٍ من أسماءٍ، وصفات، وهذا الأمر من الصّعب أن تَجدَهُ في اللغاتِ الأخرى، فعلى سبيل المثال أنّ للأسد (٣٠٠اسم) مِنها (الأخنس، وحطّام، وحيدر، وراهب، ...إلخ)، ويوم الآخرة له (٨٠ اسماً) ولكلٍّ منها معنى وسبب، قال الإمام الشّافعي -رحمه الله-: (لسانُ العربِ أوسعُ الألسنةِ مذهباً وأكثرها ألفاظاً)
٥-أنّها مبنية على جُذورٍ متناسقة: والجذور هي (الماضي، المضارع، الأمر) فعلى سبيل المثال: الماضي(رجِعَ)، المضارع(يَرجِعُ)، الأمر(ارجَع)، بعكس اللغات الأخرى مثل الإنجليزيّة على سبيل المثال: الماضي (Back)، المضارع (Due)، الأمر (Refer) فهي كلمات تختلفُ عن بعضِها البعض بعكسِ اللغةِ العربيّة التي تُشعرُ بوجودِ تناغم بين جذورها الثلاث.
•علوم اللغةِ العربيّة
وتقسم علوم اللغة العربيّة إلى اثنا عشر عِلما وهي:
-علمُ اللغة: أي علم أصول اللغة ومفرداتها، وضبط دلالة الألفاظ على المعاني
-علمُ الصّرف أو التّصريف
-علمُ النحو
-علمُ المعاني
-علمُ البيان
-علمُ البديع
-علمُ العَروض
-علمُ القوافي
-علمُ قواعد الكتابة
-علمُ قواعد القراءة
-علمُ إنشاءِ الرّسائل والخطب
-علمُ المحاضرات ومنه التواريخ
وقد نظمها العلاّمة ابن الطيّب المغربي في أبياتٍ له أوردها في حاشيته على القاموس المحيط المُسماة بإضاءة الراموس، قال رحمه الله:
خُذْ نَظمَ آدابٍ تَضوَّعَ نَشرُها.... فطوى شذَ المنثورِ حين يَضوعُ
لُغةٌ وصَرفٌ واشتقاقٌ ونحوُها... عِلمُ المعاني بالبيانِ بديعُ
وعَروضٌ قافيةٌ وإنشا نظمها... وكتابةُ التّاريخ ليس يضيع.
وقبل أن أختم حديثي هذا أودُّ التحدّث عن مشكلةٍ قد انتشرت في مجتمعنا هذا، ألا وهي تطبيعُ "اللغةِ العربيّة" وذلك بإدخالِ بعض المصطلحات الغير عربيّة إلى العربية، وقد انتشر ذلك بكثرة وخاصة في مواقع التّواصل الاجتماعي، ومنها قولهم: (يس، نو، ثانكيو، سُري، أوكِ، ميرسي،....إلخ)، فالذين يُدخلون مثل هذه المصطلحات يعتقدون أنّهم يتطوّرون بذكرها، لكنهم وللأسف الشَّديد لا يدركون أنّهم يُضعفون لغتَهم العربيّة.
بالإضافة إلى ذلك كثرة الأخطاء الإملائية والنحويّة في مواقع التّواصل الاجتماعي، وأشهر ما يخطئون به: (انشاءالله أو انشالله بدلا من إن شاء الله، وشكرن لكي بدلاً من شكراً لكِ، وأنتي بدلا من أنتِ ......إلخ)
فواجبنا كأمّةٍ عربيّة إسلاميّة حبُّ اللغةِ العربيّة والاهتمام بها، وتعلّمها وتعليمها، لكيلا نقع بمثل هذه الأخطاء، فاللغة العربيّة كما ذكرت لغة القرآن الكريم، فكيف لنا أيضا أن نفهم كلام الله سبحانه وتعالى دون معرفتنا بقواعد اللغةِ العربيّة قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(فإنّ نفس اللغةِ العربيّة من الدّين، ومعرفتها فرضٌ وواجبٌ، فإنّ فهم الكتاب والسُنّة فرضٌ واجبٌ، ولا يفهم إلا بفهمِ اللغةِ العربيّة)
آية نجار
مجلة أزرق | العدد العاشر
0 تعليقات