خلف الغيوم السوداء



نستبشر بهطولِ الأمطار وابلٌ كانت أو طل؛ بعد ظهور الغيوم السوداء. وكذلك هي بعض السنين غيوم سوداء، ولكن لابد أنه سيظهر من بعد هذه الغيوم خيرٌ كثير.

فقد شهدَ العالم منذُ بدءِ الكون العديد من الحروب والثورات، التي كانت ومازالت بمثابة شوكةٍ في بلعومِ الأبرياء، تكاد تقتلهم لولا رحمة الله عليهم.

تهب الحرب على البلاد كما تهب النار؛ فتنتزع الأمان من قلوب سكان البلد الذي تحلُ فيه، كما أنها تبثْ سُم قاتل للسلام فيموت إلى أن يبعثه الله من جديد. ولكن هذه الحرب أو الثورات قد ولّدتْ لنا الإبداع، وقد نهضت بواقع بعض الأمم والشعوب، وأخرجت لنا شعراء وروائين وأبطال. جميعنا سمعنا بهيروشيما وأنها ضُربت بالقنبلة النووية؛ ولكن هذه القنبلة كانت بمثابة أيدي ساعدت الشعب الياباني على النهوض على أقدامهم، فقد مَلّكتْ العزيمة لهم لكي يبنوا المدينة من جديد، على الرغم من أن هيروشيما تدمرت بأكملها وقتل الآلاف من الناس إلا أنها أصبحت الآن من أهم المدن السياحية في اليابان، وأجملها، قد تغير واقع هذه المدينة وواقع اليابان ككل فقد نهضوا وحاربوا ضعفهم بإعادة الأعمار. وهذا مايسمى بخلف الغيوم السوداء. والأمر ذاته حصل ومازالَ مستمر في فلسطين ولكن بصورة أخرى، صورة الاحتلال الغاصب للأراضي الفلسطينية، فأخرج أهلها منها قسراً، كما أنه قتل وأسر العديد منهم. ولكن الاحتلال كان بمثابة ثورة في نفوس أبناء الشعب، فقرر البعضُ منهم التعبير عن غضبهم دون حمل السلاح. وخير مثال على ذلك غسان كنفاني، أديب المقاومة فقد اقتبس معظم أعماله من واقع أبناء وطنه، فهطل علينا إبداعه كالقطر، نتجرعه ولا نرتوي، ومازلنا بحاجة إلى الكثير من أمثال غسان كنفاني، يخلقون نور الأبداع من ظلام الواقع. ولن ننسى ريم بنا، فقد تحدت الكيان بصوتها الرنان، فكلمات أغانيها والدم في مسار واحد في أجسادنا، تشعل في أرواحنا الرغبة في المقاومة والمساندة لتحرير البلاد. وهذا ما يسمى أيضاً بخلف الغيوم السوداء وإذا كنا نتكلم عن واقع الثورات فقد سمعنا جميعنا بالثورة الفرنسية، التي انتشلت فرنسا من القاع المظلم لترى النور، وتتخلص من النظام القمعي والعبودي، فقد تغيب حال فرنسا كثيراً وحُققت مطالب الفرنسيين، وهي الآن دولة حضارية تسودها الديمقراطية وحرية التعبير. وهذا مايسمى أيضاً بخلف الغيوم السوداء هنالك ستائر عديدة من الغيوم السوداء تحجب عنا رؤية القطر الذي سيهطل، فنظن أن هذا الظلام سيستمر ولا يولّد سوى العتمة. ولكن هنالك أمم وشعوب ازدهرت بما خلفته الغيوم، وأصبحت تتنعم بالندى الذي بشرهم بقدوم ربيعٍ، حيث تفتحت أغصان السلام، وجرت ينابيعٌ من الأبداع مقتبسة من الواقع المشؤوم، وغردت البلابل بصوت الحرية المقموع، ولكن هذا كله كان خلف الغيوم السوداء.

ماريا حسن
مجلة أزرق | العدد العاشر.



إرسال تعليق

0 تعليقات