هل للخيال حدود؟
و إن كان للخيال حدود فهل يُسمى بالخيال؟!
أرى نفسي دوما حيثما أريد ، اراها بين حقول الذرة تلامس اوراقها تنظر بعناية اليها وهي تنضج، أمشي بين حقولها وأنا حافية القدمين ، لتخالط التربة قدمي ، لأحس بأني أنا والأرض واحدٌ لا يتمزقُ ، أراها في بيوت الريف حيثُ أكون جالسةٌ أمام مدفأة الحطب حيث الدفأ و الحنان ، و رائحة الكتب تفوح من بين يدي و عيني تقرأ صفحاته و اصابعي تتحسسُ أوراقه و أحرفه و أعيد الجمل التي تجذبني إليها محاولةً مني أن أحفظها غيباً عن ظهر قلبٍ و صوت قطة تموء منادية لي أبادلها الاهتمام لأعطيها الحنان و أعطف عليها ، و أراها في مكان لا صوت له، غير صوت الموسيقى حيث لا أحد يسمع الآخر ، لا أحد يعطي الاهتمام للأخر سوى للموسيقا ، ليستمع إليها و يُبحرُ في ذكرياته و أفكاره فيستعيد ما كان في باله ليتذكر ما حدث و ما يحدث، لأقف هناك أبكي و أضحك و أرقص حيث الموسيقى تعبر عمَّا في داخلي ، و من الممكن أن أكون أميرة في قصة الحسناء و الوحش أو سندريلا حيث أفقد حذائي قصداً و ليس صدفة ، أراها هنا و هناك على المسارح ، في معارض الفن ، في قصرٍ أتجول بين غرفه معلقةٌ على أحد لوحاتهِ و فناجينه الأثرية ، في أزقةٍ تمشي تحت اضواء خافتة حيث أركض تارة و أمشي تارة ، فأنا أرى نفسي في كل مكان يهواه قلبي و يحن له ، قد أراها في أغرب الأماكن ، قد تشتهي ما لا يشتهيه الآخرين فنفسي هي ذاتي و ما ذاتي إلا أنا.
فعالم الخيال هو العالم الوردي ذو السحاب الأبيض على هيئة أشياء محببة من قِبلك و أنهاره من ماء الورد والحلوى أرضيته ، وهواؤه الحب ، و لا كراهية فيه و لا لتلك الكلمة معنى فيه ، لكنه صُنِعَ كوسيلة للهروب من الواقع السوداويّ ، و وسيلة لتعيش حياتك التي لم تحلو لك ، فعالم الخيال تعويضاً عما حلمت به و لم تستطع أن تفعله في الحياة أو قد يكون تنبؤ لك عما ستصبح عليه ، قد تُمسي خيالك و تصبح عليه عن طريق شخص تتخيله صباحاً و مساءاً فتتخيلة معك طوال الوقت و أنه شخص لا يتمزق عنك فترى أنكما في مغامرات و أحاديث تختلقها لتبقى معه أطول وقت ممكن في حي الذكريات في مقاهيها ، و تشربان الشوكولا الساخنة و تتبادلان الآراء حول أشياء لا تجذبك لكن تجذب من تتخيله ليبقى معك فترات أطول.
لكن ماذا لو !
ماذا لو ما كنت تتخيله تضع في نهايته أنه مجرد سراب و وهم أنه مجرد سحاب أبيض اللون ، نفخة منك يتلاشى ، ماذا لو وضعت تلك الاحتمال بعد خيالك و تبحيرك إلى الضفة الآمنة من حياتك ، المكان الذي يعطيك الراحة.
ماذا لو !؟
لو فكرت أن كل ما تتخيله وهم و سراب و مضيعة للوقت، فأنت شخص كئيب تبحث عن الراحة و لن تجدها ستبحث عن المكان الذي يحتويك في أتعس أيامك و لن تراه ستبحث عن حضن ليحميك من سيوف الأيام و غدراتها ستكون شخصاً رمادي اللون ، مُهمش ، كئيب و سوداوي.
لكن،
ذاك المكان الآمن فاتح يديه لك في كل الاوقات و في كل زمان منتظرٌ إياك ، باحثٌ عنك ، جاعلٌ وقته لك وحدك لتأتيه و يحتويك ، كأم تحتضن أطفالها حامية إياهم من مخاطر الحياة، فهيا دع عقلك و جسدك و عقلك و انت في كل ما فيك يغوص و يبحر في ذاك المكان لتُبدع و تكون حيثما تريد.
و في النهاية كن كطفلٍ غارقٍ في أحلامه يلهو مع تخيلاته.
زينة حلواني
مجلة أزرق - العدد 14
2 تعليقات
بصراحة...كتابة ولا اروع..وانا عم اقرأ أبحرت في خيالي الخاص..عنجد برافو..حبيت لدرجة...استمري كاتبتنا ومستشارتي الروائية❤❤
ردحذفخلي خيالك وردي في سماء الحب..لا تغوصي في عالم الظلام والسواد💜💜
ردحذف