ملكة جمال الذاكرة | الجزء الثالث



الجزء الثالث

-مخرج إلى الابتسامة الأولى-



لقد كان الشّاي الأخضَر من أخطر ما يمكن رفضه فيما بيننا، كذلك هو اسمها، إنّني لا أستطيع بل وقد أموت أدبيّاً في حينِ حذفي لاسمها بين سطوري، ليتها تذكر أن اسمها كان الدواء لداء الشّاي الأخضر الذي أصابنا! لكني لا أظن ذلك.!


إن دخولي عالم الكتّاب والكتب بشكلٍ جديّ، مسؤولية كبيرة تقع على عاتقي وعاتق مكتبي الصغير وغرفتي اللطيفة الهادئة، أظنّها لن تبقى كذلك بعد دخول ليلى أيضاً عالم الكتب والصحافة، ستقلب لي غرفتي حبّاً على عقب، حيث أنها أصبحت تقرأ الكثير  في فراقنا، تقرأ للعديد غيري، للكثير الكثير من النقّاد والكتّاب بل وبدأت باقتباس كلامهم.

لقد كانت تَشهرُني وحدي في مجتمعها، بل وتقرأ لي وحدي، رغم اطلاعها الواسع ورغم ضعفي الوصفيّ والتعبيريّ، الآن ينتابني حس التنافس لكسب ودّها من جديد بعد إقلاعي عنها بين السّطور.


إني على يقينٍ بِحُبّ ليلى للكتّاب لا للكتب، لكنني مترددٌ في كل شيء الآن، لا وجود لأبجديةٍ قادرة على وصف ضياعي. أحان موعد عودتنا؟ عودة الليل؟ لا أظن ذلك، لطالما قلمي يخون الوعود في أيام الخريف هذه، وطالما لا أغدو سوى حاملاً الموت فوق أصابعي المرتعشة، فأكتبه تراجيديا مقرفة، لقد دمّرت أوراقي بنفسي، بعد الرحيل، رحيلك يا ليلى!


قال لي جدّي، أنه عاش سبعين سنة يحاول أن يفهم حبّ جدتي لفنجان القهوة الذي كسر طرفه جدي في ليلة زفافهما.

وتوصّل لنتيجةٍ بديهية منطقيّاً، مرعبةٌ واقعيّاً، وأقصد واقعي الحالي، ضياعي الحالي.

إن فنجان القهوة ذو اللون الباهت والطرف المكسور الجارح للشفاه، لا يحبّه إلا من رأى في الجروح لذةً وفي اللون بريقاً -إننا نرسم بريق الأشخاص بأعيننا-!

.

.

.

-أعُدتَ لتمنعني عن القراءة؟ ومتى؟ بعد الخذلان والنسيان.. وبعد خطواتي الأولى في الصعود للطموح؟


-لم أعد بعد، لست مستعد.

لكنني أعلم أن الموت والضياع قد استعمر حروفي وكلماتي، لكنّه موتٌ سليط لا مفرّ من احتلاله، ربما كان باهتاً قاسياً، لكنّه يستحقّ إرهاق العيون لقراءته، علّ فيه الغفران!


-هناك ما ينقصك، الآن أعلم جيدّاً ما هو نصّ الاعتراف الذي يغفر عليه لكاتبه، وما الحقيقة المنتقصة في النصوص..

سأقرأ لك فور اكتمال نصوصك..

.

.

حسناً، لم تعُد حينها السجائر تنطفئ.. إن نيران هذا الحديث المفاجئ تشعلها بين خمود الذكرى واندلاعها..


واستمر الحريق إلى أن كتبت لها بالرّماد أسباب الرّماد.. حقّاً! كيف تَكتُبُ النتيجة أسبابها؟!


"الشّعر والكتابة ليست حكراً عليّ، لكنني على أتمّ الاستعداد لِمَلئِ مكتبتكِ، غرفتنا المستقبلية، بناء العمل الخاص بكِ، مكتب رئيس العمل.. وحتى شوارعنا بجميع الكتب والنصوص والقصائد التاريخية منها والاجتماعية، الغزلية أو الهجائية والتراجيدية.. حتى العصرية المرغوبة والجاهلية.. وكل جانب من جوانب الأدب العربيّ وحتى الأجنبيّ..

صدّقيني، إن حبّي المقدّس لشغفك في هذا الإطار من شغفي الخاص، يربكني فأكتبك بشكلٍ أفضل من كل أبجديات الكتّاب الآخرين..


والموت، الموت سيبقى يلاحقني.. فهو صديقي منذ انحسار الأشجار من الأشجار."


وختمت رسالتي المبلّلة حينها: وأنتِ الموت يا ليلى!


فاكتشفت فور ابتسامة ليلى، ما الذي كان ينقص حروفي آنذاك..

أتراها حقّاً قد تبسّمت لقراءة اسمها؟ لماذا لم تقرأ بتمعّن إذاً لتغفر لي ذنبها؟

ذنبي الوحيد أنني أحببتُ غريبة الأطوار تلك العظيمة.

عيسى ماهر

مجلة أزرق -  العدد 14

إرسال تعليق

2 تعليقات

  1. من جميل إلى أجمل، برافو عيس ❤

    ردحذف
  2. الله الله.. زمان عن حروفك يا غالي♡

    ردحذف