العنصرية الوطنية



 
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)

فكان التقى هو الميزان الوحيد الذي يقيس الله به عباده، دون وضع اعتبار للأشكال والصور والألوان والانتماءات، وهذا النص القرآني من سورة الحجرات، ونصوصاً أخرى، كانوا حداً فاصلاً وُضِعَ لنهاية التمييز العنصري، وتشعباته العديدة.

لكن يبقى السؤالُ المحيّر، هل انتهت العنصرية عند المسلمين بعد نزول تلك النصوص؟


بدايةً، لا بُد من تعريف العنصرية وإلقاء نظرة على مفهومها، وصورها التي عانت منها البشرية منذ خَلق الله الإنسان، إلى يومنا هذا.


العنصرية تُعرف بأنها: التمييز بشكله العام، وبأنها أفكار ومعتقدات وقناعات ترفع من قيمة فئة من الناس على حساب فئات أخرى، ويصفها البعض بأنها مرضٌ عقليٌ مكتسب.


لقد ظهرت العنصرية بأقبح صورها في عمليات إبادة السود والأفارقة وسكان أمريكا الأصليين، وبيعهم كعبيد في الأسواق، وكانت العنصرية سبباً رئيسياً في اندلاع الحرب العالمية الثانية، حين سيطرت فكرة النازية على عقول الألمان، والفاشية على عقول الطليان، وباعتقادهم بتميّز العرق الآري أو الجرماني على حساب الأمم والشعوب الأخرى، وتفضيله تفضيلاً مطلقاً بلا قيود، كما سيطرت تلك الأفكار على اليهود من قبلهم، باعتقادهم أن الله اختارهم من بين الشعوب، وقد كانت أيضاً تلك الفكرة لدى العرب القدامى.


إذن هل وضع الإسلام حداً للعنصرية؟

نعم، لقد وضع الإسلام حدوداً صارمة في وجه العنصرية وعقيدتها البغيضة والخبيثة. فجمع بين البيض والسود، والسمر والصفر، وبين العرب والعجم، والهنود والأفارقة، تحت رحاب الإسلام. بدأً بالصلاة واجتماع المسلمين خمس مرات يومياً في المسجد، متلاصقي الأكتاف ومرصوصي الصفوف. وانتهاءاً بالحج الذي جمع سنوياً ملايين الناس من جنسيات مختلفة، ولغات شتى، وثقافات مغايرة. فبقيت النصوص القرآنية منهاجاً للمسلمين وقواعد متينة في حياتهم، كما أخذوا بكلام رسول الله بيقين لا يشوبه شك، وإيمان لا يتخلله تردد، فقوله: (لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي؛ إلا بالتقوى) وقوله: (اسمعوا وأطيعوا لمن ولي عليكم، ولو كان عبداً حبشياً رأسه زبيبة) كانا راسخين في عقولهم لا يتضعضعان. وبقيت حالة الأخوة والألفة قائمة حتى دخول فكرة القومية والوطنية إلى الأراضي الإسلامية!

فبدأت روح العنصرية بالتنفس مجدداً. فبعد نهاية الدولة العثمانية، وإنهاء الحكم الخلافي، وبعد تقسيم الأرض بمعاهدة سايكس بيكو، وبعد ظهور الجمعيات المتأثرة بالحضارة الأوربية؛ والتي كانت تعاني من عنصرية مهلكة. عادت العنصرية لتصبغ البلاد بصبغة التعصب للبلد والوطن، وتشق الجسد الواحد، وتسقم ما صح منه.

لم تكن القومية هي المشكلة بشكل مطلق، وإنما الوطنية، فاجتمع الجميع تحت راية القومية العربية، وتفرقوا تحت رايات الوطنية، وكان لكل شعب وطنية (الوطنية السورية، والوطنية العراقية، والمصرية، الخ...) وأصبح المنتمين إلى تلك الوطنيات، يتغنون بشاعرية بحضارات الأرض وتاريخها، والتباهي أمام الباقين. فالسوري يفتخر بالسومرية والفينيقية، والعراقي بالآشورية، والمصري بالآثار الفرعونية. فتدفقت النعرات الوطنية والقبلية نحو عقول الجميع، بنسبٍ متفاوتة. وقد ساعد الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي، تسهيل عملية انسياب الأفكار العنصرية، ولا يفتأ بأن ترى مشاركات وتغاريد كريههَ، تحمل كميات بغضٍ وشتائم لشعوب أخرى وأوطان أخرى.

فحُِمّلت غاية الإختلاف الثقافي الى غاية التفرقة والتنافر والبغض، في حين أنها غاية سامية، تضفي روح المتعة للحياة في البحث عن ثقافة الغيّر، وتقارب وجهات النظر والبحث عن المتشابهات ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا).


وفي الختام لا بد لكلٍ منا ولكل عنصريّ أن يفهم بأننا أسرة بشرية واحدة، وبأننا جنس بشريّ واحد، وأننا مرتبطين بمصير مشترك، وألا تفتننا الدعوات السياسية المحرضة على التفريق ودس البغض، وتمزيق الإلفة في روح الأمة. وعلى الجهات المعنية وضع خطط حثيثة للإقرار بأن العنصرية جريمة تستحق العقاب؛ فكم حصدت أرواحاً، وتركت ندوبا لا تندمل في نفوس كثيرٍ من البشر، وعلينا كمسلمين الإيمان الحق، في نصوص وتشريعات الله، وتعاليم رسوله صل الله عليه وسلم، القائل والمحذر من العصبية والعنصرية للقوم والقبيلة والبلد: "دعوها فإنها منتنة".

 

محمد مؤمن الرمضان

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


المصادر:

_ الحل الإسلامي للمشكلة العنصرية. أحمد ديدات

_ ورقة مناقشة وتوصيات " مؤتمر دربان Durban Review Conference

_ موقع "موضوع"

_ العصبية القومية والعنصرية. سفر الحوالي.

إرسال تعليق

0 تعليقات