كبُرتُ حدَّ الانتِفاخ



انطوَت الأيامُ وتَوالَت الشهورُ بانطِوائها، تلاشَت فيها أحلامٌ كنتُ قد تشبَّثتُ بها بِكاملِ قِوايَ وإرادَتي وانبَثَقَت غيرُها.
غابَت عن عينَيَّ وجوهٌ كنتُ قد ظننتُ بأنها الهناء، وظهرَت أخرى مُبهَمةٌ تدورُ حولها التَّساؤلات.
بلَّلَتْ دموعٌ خدِّي فألهَبته وورَّدَت ابتِساماتٌ أخرى الوجنات.
طِفلَتَينِ صغيرَتين ظهرَتا في طريقي ورسَمَتا عليه أحلى الألوان، إحداهُما ضحِكَت حينما بكيتُ لِتُواسي، والأخرى نما لها جِنحان!
وطِفلٌ كبُرَ على الحبوِ والكلماتِ التي لامعنى لها، مازالَ يلعَبُ بين يديَّ يُمسِكهُما حُبّاً، ويُذيبُ القلبَ بِبريءِ الحركاتِ واللفتات.
انتهى عامٌ وتبدَّلَت فيه مفاهيمُ الأوطانِ والأغراب!
وجدتُ من كانَ يحسبُ نفسه وطناً يتحولُ لِمنفى غُربة، وغرباءَ يحاولونَ أن يُصبحوا أوطاناً جديدة بلا خيبات.
والوطنُ!
آهٍ عليه مازالَ يُعذِّبُني بِعذابِه، فما الحربُ تهجُره وما الأهوالُ والأحزانُ عنه تَحِيد.
العروبة تندبُ حظَّها في زاوِيةٍ مُظلِمةٍ وحيدةً خجلاً واستِحياءً، والعالمُ ما زالَ لاهِياً في رغباتِه وأحلامِه التي لا علاقةَ لها بالفقراء
المبتورَةِ حياتهم على عتباتِ حروبِ الهباء.
في منفايَ لا خريفٌ ولا ربيعٌ تزهو به روحي، لا شيء سِوى صيفٍ حارِقٍ وشِتاءٍ جافٍّ بِلا حياة.
في منفايَ لا عُصفورٌ يُغرِّدُ على نافِذتي ولا ياسمينةٌ تُعانِقُ وِحدَتي.
في منفايَ أنا أتلاشى!
حُطامي، ما عادت تُغريهِ ألوانٌ وبِضعُ رسومات، ينكسِرُ كلُّ يومٍ جزءٌ من روحي وكأني زجاجٌ مُهترِئٌ هش.
في منفايَ وقعتُ، ووقفت.
خُذِلتُ، نعم وندِمتُ حتى تعلَّمت، وأفَقت
انتظَرتُ وانتظرتُ ولا زِلتُ على قيدِ الانتِظار.
هُنا وأنا على أعتابِ بدايةِ عامٍ جديد، نظرتُ خلفي:
يا الله! كبرتُ كثيراً، كبُرتُ حدَّ الاِنتفاخ! كرة مطاطيةٌ أنا ويملؤني هواء.
لعلَّني أنفجِرُ حُباً وأملاً، فمُحالٌ أن ينشُرَ قنديلٌ أودَعَه الله في قلبي غيرَ الحُب!
مِقعَدُ انتِظاري اهترَأ،
"لعلَّ قِطارَ الخلاصِ باتَ قريباً" هكذا حدَّثني قلبي.
"لعلَّ الأملَ يُضاحِكُني حدَّ البكاء،
لعلَّ قلبي الباهِتُ ينضَخُ باحمِرارِ دِماءِ الحياة."
ذكرَياتٌ توزَّعَت صُوراً وكلماتٍ وضحِكاتٍ ودموعُ خِذلان،
انطَوَت الأحداث مع النهاية، وحقائبُ الانتِقالِ لِعامٍ آخرَ جُهِّزَت لرِحلةٍ قد تتحقَّقُ فيها الأحلام
وتتربَّعُ على جنباتِهِا أُمنياتٌ وسلام.









بقلم مياس عرفه









مجلة أزرق





العدد 16


إرسال تعليق

0 تعليقات