أُمِّي



- مِنَ الظَّلاَمِ المُخِيفِ إِلى النُّورِ ..
- هَا قَدْ مَلَأَ صَوتِيَ المَكَانَ و أَثْبَتَ وُجُودِي ، كُلُّ الأَنْظَارِ مُتَّجِهةٌ إِلَيَّ، و لَهْفَةُ أُمِّي وَاضِحَةٌ . و مِنْ هُنَا بَدَأَتْ قِصَّتِي و التِّي كَانَتْ عَلَى وَشكِ الانْتِهَاءِ .ِ قَبلَ أَنْ يُتِاحَ لِي أَنْ أَتَنَفَسَ عَبَقَ الحَيَاةِ .فَكَانَتْ أُمِّي مَنْ أَرَادَ لِيَ المَوتَ قَبلَ أَنْ آَتِي ،فقد َكَانَتْ مُكْتَفِيَةً بَِما لَديهَا مِنْ أَطْفالٍ فَلَمْ تَكُن بِحَاجَةٍ إِلَى قِطْعَةٍ زَائِدَةٍ فِي زَوَايَا البَيْتِ ، أُمِّي التِّي مَلأَتِ القَارُورِاتِ المُخَصَّصَةِ لِلمِياهِ بِدَمْعِهَا ،و التِّي جَعلَتْ أَبِي يَدْفَعُ أَضْعَافَاً مُضَاعَفَةً بِسَبَبِ اتِّصَالاَتِها المُتَكَرِّرَةِ للشُّيوخِ لِأَخْذِ فَتْوَى لِإِجْهَاضِي ، و ذَلِكَ الطَّريقُ الذِّي أَكَلَ مِنْ قَدَمَيْهَا و هِيَ ذَاهِبةٌ و قَادِمَةٌ تبحثُ عَنْ طَبيْبٍ يَقبَلُ إِجْهَاضِي ، و فِي النِّهَايَةِ بَاءَتْ كُلُّ مُحَاوَلاتِها بِالفَشَلِ . فَكَمْ وَقَفَ القَدَرُ بِصَفِّي لإِبْقَائِي عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ فَالسُّؤَالُ هُوَ هَلْ حَيَاتِي بِهَذَا القَدْرِ مِنَ الأَهَِّميةِ لِقُدُومِي لَهَا ؟!
- فَهَا أَنَا هُنَا بِجَانِبِ أُمِّي و بَينَ أَحْضَانِهَا و سَاعِدَيّهَا وأَنَامِلِهَا ، لَنْ أَظْلِمَ أُمِّي أَكْثَرَ بَعْدَ مَعْرِفَةِ أُمِّي بِأَنَّهَا سَتُرْزَقُ بِفتَاةٍ ،فَعَاشَتْ بَينَ الغُيُومِ و فِي السَّمَاءِ و فِي قَصْرٍ مِنْ قَصَبِ السُّكَّرِ لِفَرْطِ سَعَادَتِهَا . والآَنَ و بَعْدَ سَبْعَةَ عَشَرَ عَامَاً أُرِيْدُ أَنْ أَصِفَ أُمِّي (مَلَاكِيَ الحَارِسُ) ، أُمِّي هِيَ الشَّخْصُ الذِّي لِي طَرِيقِي ،و أَبْعَدَتْ عَنْهُ كُلَّ الأَشْوَاكِ . أُمِّي التِّي عَلَّمتنِي الشَّرَّ مِنَ الخَيْرِ فَأَبْعدَتْ عَنِّيَ الشَّرَّ ، أُمِّي الشَّخْصُ الذي يُريْدُ أَنْ تَرَانِيَ الأَفْضَلَ ، أُمِّي التِّي تُعْطِينِي جَرْعَاتٍ منَ القُوَّةِ و مِنْ زَرْعِ البِذْرَةِ الصَّالِحَةِ فِينِي ؛و صَبرَتْ عَلى سِقَايَتِها مِنْ دُونِ أي تَعَبٍ أو مَللٍ ، هِيَ التِّي حَثَّتنِي عَلى مُمَارَسَةِ هِوَايَاتِي و تَطْوِيرِ ذَاتِي و أَنْ أَغُوصَ فِي أَعْمَاقِي لِمَعْرِفَةِ نَفْسي و مَنْ أَكُونُ و إِلَى أَينَ أَنْتَمِي ، أُمِّي هِيَ شَمسِي -التِّي كُلَّمَا كَانَتْ بَعِيدةً كَانَ ضَوءُهَا يُنيرُ مَسِيرَتِي -، أُمِّي هِيَ دَاعِمَتِي التِّي لَطَالَمَا رَأَتنِي أَتوانَى عمَّا يَجْعَلُنِي الأَفْضَلَ فَكَانَتْ هِي فِي المِرصَادِ لِتِدُلّ إِلَى طَرِيقِي عِندَ ضَيَاعِي ، فهِيَ خارِطَتِي ، هِيَ مُعجَمِي عِندَ إحسَاسِي بالغَرَابَةِ ، فأُمِّي هيَ الشَّخصُ الوحِيدُ الَّذِي يستحِقُّ محبَّتِي ، فعِندَ ضَلَالِي كانَتِ اليَدُ الَّتِي امتدَّتْ لانتِشَالِي منَ القَاعِ ، علَّمَتْنِي قِرَاءَةُ الحَيَاةِ و إمْعَانُ النَّظَرِ بِهَا ، و علَّمَتْنِي الإصْرَارُ علَى مَا أُرِيدُ و أنْ أحَارِبَ للوصُولِ إلى هَدَفِي ، و أَهَمُّ ما علَّمَتْنِي إيَّاهُ هُوَ أنْ أبتعِدَ عن الكَسَلِ و الخُمُولِ ؛ لأنَّهُم داءُ كلّ شيءٍ ، أُمِّي الَّتِي كَانَ نَجَاحِي و اجتِهَادِي عِلَاجَاً لقَرحَةِ مِعدَتِهَا ، و أَلَمِ عِظَامِهَا و مَفَاصِلِهَا ، عِندَما أرى يدَ أُمِّي أشعُرُ بقسوَةِ الحَياةِ فيها ، فتجاعِيدُها الَّتِي بدَأَتْ بالظُّهورِ تروِي قصَصَ تعَبٍ و ألَمٍ ، و ذَاكَ الكَلَفُ المُنتَشِرُ على كفَّيْها ، و ما أجمَلَ ابتسامتَها و رُوحُها كرُوحٍ عشرينيَّةٍ مُقْبِلَةٍ على الحياة .
أُمِّي..إنِّي لا أعلمُ بِمَا أبدأُ لشكرِكِ علَيهِ ، فمجمُوعَةٌ من الأحرُفِ و الكلِماتِ علَى لِسَانِي و لكنْ تِلْكَ الكلِمات والأحرف تُسَابِقُ أخواتُها للخُروجِ أوَّلاً ، و لكنَّني أشكرُكِ على الحياةِ الَّتِي أعيشُها مَعَكِ فأدامَكِ اللهُ لِي بعمرٍ مديدٍ و صِحَّةٍ و عافيةٍ .
و في النِّهايةِ أُمِّي دائِماً تقُولُ إنَّ وُجُودِي نعمةٌ و حكمةٌ و أنا أرِيدُ أنْ أحمدَ ربِّي أنَّها أُمِّي .


أُحِبُّكِ دائِماً و أبَدَاً...





زينة حلواني ✏


إرسال تعليق

0 تعليقات