أنتَ الخاسر




- و تعاقبت أذيالُ الليلِ و أسفارُ النهار ، و ترامتِ الأيامُ كعواصفِ البحار ، و الفجرُ لا يسطعْ تراه قريباً لكنَّهُ واقفٌ عند البزوغ ، و أرضهُ سوداءٌ حالكةٌ كالقفار.



- القلب :

- يا صاح، انتظر! أينَ تذهب؟ بعيداً حيثُ لا تنتهي تلكَ الصحراء؟ أم سماءٌ بلا نورٍ أو ضياء؟



- الإنسان : في داخلي حروبٌ طاحنة ، تترنحُ بينَ اليمنةِ و اليسرة ، صراعاتٌ دامية ، و ما زالت الرؤية مشوشة.



- النفسُ الملوثة :

- دعهُ إنَّ طريقهُ صواب ، خذْ هذهِ أغنيةً عنْ حياتِك ، عنِ السراب!

- العنْها كمْ هيَ صعبة ، هل تسمع صوتاً؟ إنهُ ذلكَ الغراب... ضع على قلبكَ غشاوةً و ادفنْهُ تحتَ التراب .



- الإنسان : سمعتُ هذا اللحنَ الحزين، لكنهُ لا يداوي فيَ جرحاً واحداً ليداويَ كلَّ جراحيَ النازفة ، إلى أينَ أتوجه ؟ و الندبُ الميتةُ بدأت تعودُ للحياة!



- القلب :

- يا حسرتي! بعدمَا تعلقتَ بالقرآنِ أراكَ تذبلُ و تموت ، و تحالُ بذورُكَ إلى التصحرِ بعدَ أنْ كانت أحلى القراء .

- كيفَ تتركهُ بعدمَا أحييتَهُ و جعلْتهُ ككلِّ القلوبِ سواء!



- النفس :

- -اتركه! لا تعبثْ به! إنهُ ملكي أمّارةٌ أنا بالسوء ، و هذا الإنسانُ أنا ، روحاً و عقلاً و نفساً ، خذْ يا صُوَيحبي تعلمْ عن هذهِ اللعبة . أحدهمْ يناديك ، تأففْ و أجبْ بحدةٍ و قسِْ قلبك ، تحجر!





- الإنسان : هناكَ ألمٌ في خلَجاتي ، أهوِ ألمُ الصبرِ على المعصيةِ أم ألمُ الابتعادِ عن الطاعة ؟ هنا طريقٌ مسدودٌ و النورُ بينَ يدي ، كأنني تائهٌ في طريقٍ مستقيم ، تعبرُ الأقدامُ و لا تعبرُ عيني هناك ، و لا تراه!



- القلب : و إن حاولتَ أن تجعلني حجراً ، صلداً ، صخراً ، فجرب و إني لكَ لمنَ الصادين!





- النفس:

- صهٍ إنهُ مشروع ، سيطرةٍ و اقتحامٍ و تدمير ٍو إبعادٍ و سرقةٍ مما كانَ عليه ، من ربيعهِ الأخضرِ إلى خريفٍ محترق!



 انظر في الزاويةِ ينتحب ُوحيداً يا ُهاجراً! أنتَ الخاسرُ أنت! قلبكَ اللين ضاعَ و عملُكَ دونَ بركتهِ للجهل انصاعَ! و الظلمُ مرتعهُ وخيما.



- الإنسان : من يتحدث! من يتكلم! ما هذَا الصوت ؟ صوتٌ عذب ، صوتٌ صعبُ التقبل! أهي أولى الخطوات؟ هل عدتُ أسير؟



- القلب :

- كمْ أنتَ بائس ؟ تعمهُ في غياهبِ الجب، حرثكَ ما زالَ واضحاً ، اثبتْ تقدم! كنْ على عنانِك . تربصِ الخيرَ فيك،
فلقد اجتهدتَ وتعبتَ و تفرقتَ عن وصائدك! فما اشتدتْ إلا لينكسرَ الظلام ، مئاتُ القطع ، و يغربُ دونَ عودة ، فليسَ لكَ منَ اللهِ من والٍ!



- النفس:

- لا النورُ يعمي عيني ، نورٌ ساطع ، ضوءٌ داكٌ لكل ما يتعلقُ في مخططاتي!



- القلب :

- إنهُ دربُ صواب ، إنهُ دعاءٌ مجاب ، و عودةٌ من الموتِ إلى الحياة ، فلا أحلى منها بالقربِ منَ الله ! مستمسكاً بما أعطاك ، و بما عن باقي الأمورِ أغناك . لقد كانت تخلية ، تنقية ، فتحلية .



- الإنسان: الحمد لله ، أولُ خطوةٍ صعبة ، لكنها الفتح ، إنها خطوةُ فضِّ الألمِ و تكسيرِ أغشيةٍ الحزن ، أرى كلماتهُ تجري من فمي إلى حنجرتي إلى القلب .





، تطبطبُ على كلِّ ثقبٍ فيهِ تسدهُ فتزرعهُ فيشرئبُّ فيهِ النور !

- الحمد للهِ على نعمةِ القرآن ، الحمد لله!





- فتحولتِ الصحراءُ القاحلةُ إلى بستانٍ أخضرَ رقيق ، و لقد أزهرتِ البذورُ العقيمة ، و عادَ يلوحُ في أفقهِ شيءٌ منَ الحسن ، قطوفهُ دانية ، لربها خاشعة . و إنهُ طيبُ الأثرِ منَ القربِ من اللهِ و من كلامهِ سبحانهُ جلَّ في علاه!





تبارك مسدي


إرسال تعليق

0 تعليقات