- من بين ِالأشخاصِ الذين كنتُ أحلمُ وأتمنى مقابلتَهم شخص ٌمصابٌ بالتأتأةِ. وبالفعل ِحصل َذلكَ أخيراً.
- في اليوم ِالأخير ِمن الفصل ِالأخيرِ بآواخر ِالسنةِ ...
- كانتْ تلك نِصفُ العبارةِ التي سطَّرتُها على الإنستغرامِ ذاك َالصباحِ، قبل َمغادرتي لاقتناءِ الحافلةِ واللحاقِ بالمحاضرةِ .
- في ذاك اليومِ المميزِ وعلى الساعةِ الثامنةِ و عشرين دقيقة ًبالضبطِ اعتليتُ مقعدي بالحافلةِ فإذا بامرأة ٍتجلسُ بجانبي، لمْ استطعْ تقدير َسنِّها بالضبطِ، نحيلةٌ، بَهِيَّةٌ، بَهيجَةُ الطلّةِ. ترتدي جلباباً من كثرةَ تعرضِه للشمسِ تغيّر لونُه من الجميلِ للأجملِ، فحقاً هي من كانت تزينُه لا العكسِ . تعلو وجهَها خطوطٌ لا تدلُ على التقدمِ في السنِّ، بلْ دلت على اللوحةِ التي رسمها الزمنُ و متاعبُه، بل هي خريطةٌ دلَّت على أن كُلّاً من الألم ِوالمعاناةِ قد مَرَّا من هنا. عيناها صغيرتانِ متعبتانِ من شدة ِالصِّراعِ والمقاومةِ. لكنّها كانتْ بشوشةً، لطيفةً، ناعمةً و اجتماعيةً، لدرجةِ أنّها هي بدأتْ الكلامَ معي.
- صُدمتُ لوهلةٍ ، لكنّي سرعان َما اندمجتُ في الحديثِ معها. سُرعانَ ما غيَّرتْ حقاً نظرتي للمصابينَ بالتأتأةِ . فكما كنتُ أعلم ُأنْهُم منعزلون َاجتماعياً، لا يحبون َالحديثَ معَ الغيرِ إطلاقاً، يخافون َمن َالإحراجِ والإستحقارِ من طرفِ المجتمعِ نظراً لما يعتقدونَ أنّه مشكِلٌ وعائق ٌبالنسبة ِلهم. رغمَ أن ذلك ليس بالمُشكلِ ولا العائق ِفي التّواصلِ إطلاقاً، إنّها فقط طريقة ٌمختلفةٌ في الكلام ِوذلك ما يميّزُهمْ حقاً ويبرز روعتَهم.
- قاطَعَتْ تلكَ المُسالمَة ُأفكاري وافتراضاتي قائلةً : انظري كيفَ أنّ الأشجارَ ذابلةٌ وكل َأوراقِها متساقطةٌ ولونًها في طورِ الإسوداد ِبسببِ برودةِ الطّقسِ.
- حدثتني عنْ أحد ِقريباتِها وهي فتاةٌ قاصر ٌتخرجُ للعمل ِفي الخامسةِ صباحاً في أحد معاملِ النّسيجِ والخياطةِ . وتحسَّرَتْ عليها لأنّها تتعرضُ لبرودةِ وقساوة ِالطّقس ِالشديدِ، ودعَتِ الله أن يحفظَها ويسترها.
- فجأةً رأتْ سرب ًحمام ٍطائرٍ في السماءِ، ضجرتْ وعبرتْ عن امتعاضها ساخطةً: "الله يقطَع الحمام"!
- ابتسمْتُ أنا وسألتُها، لماذا؟ بالعكسِ فهي ألطفُ الطيور ِعلى الإطلاقِ، وأنّها رفيقة ٌالإنسان ِعلى مر َّالعصورِ، فقدْ ارتبط َذكرُ الحمامِ بالرسائلِ والسّلامِ أيضاً. أجابتْ: أن ّلأخيها أربعين َحمامةً يُربيْها على سطح ِالمنزلِ، ويسهرُ على أكلِها وشربِها، أضافت ْغاضبةً: الحمامُ بطنهُ كبير ٌولا يشبعُ أبدا ًمهما كانتْ كمية ُالطعامِ التي يأكلُها، و هو مُشاغبٌ وهمجيٌّ أيضاً ؛ فكلما زرعتْ أمي نبتةً على السطح ِيأكلُ منها الحمامُ ولا يدعُها تنمو في سلامٍ . كما أن َّأمّي طلبتْ من أخي أن ْيبيعَها فرفضَ ذلك مطلقاً لشدةِ تعلقه ِبها.
- اشتكتْ كثيرا ًمن الحمام ِوعبرتْ عن كرهِها الشديدِ لهُ .
- إضافة ًإلى مواضيعٍ أخرى، رغم أنّي لم أُطل ْداخل َالحافلةِ . فقد نزلنَا أنا وإيّاها على الساعة ِالثامنةِ وأربعينَ دقيقةً بالمحطةِ عينِها، لكن كلٌ منا ذهبَ في طريقه ِو إلى حالِ سبيلهِ.
- لن ولمْ أنساها أبداً، ولم أنسَ حديثها اللطيفِ معي. وكيف أنّها كانتْ تُصارعُ الحروف والكلماتِ بكل ِشجاعةٍ، لطافةٍ ورِقَّة، لتوصّل َلي المعنى والمقصودَ .
- انغمستٌ في حديثي معها، والإنصاتِ لحلاوةِ وعُذوبة ِطريقة ِكلامِها. والآن يكاد ُيأكلُني الندم ُلعدمِ سؤالي عن اسمِها. فلا أريد ُالحديثَ عنها كمجهولةٍ أو عابرة ٍ. فهي ذكرى جميلةٌ، عطّرت صباحي بعبقِها. وكما يُقال: "جمالُ اليوم ِيبدأ ُمن صباحهِ". حقاً تَأَكَّدَتِ المقولة ُو كان َيومي جميلا ًبما تحملُه الكلمة ُمن معنىً. فكلما تذكرتُها وتذكرتُ حركاتِها، تَتَفتَّح على وجهي ابتسامةُ حب وفرحٍ . قررتُ أن أسميها "وَرْقاءْ" تَيَمُّنا بحديثي معها عن الحمامِ ، وأيضاً السّلام ِالذي غمرَ روحي ذلكَ اليومِ .
َ سلِمت ْروحَكِ وعافى الله جروح قلبَكِ، دُمتِ سالمةً غانمةً مُحلِّقةً في سماءِ قلوبِ كل َّمن تلْتقيهِم بسلامٍ كالوَرْقَاء
سارة بوغليضي ✏
1 تعليقات
Courage sara
ردحذف