الجنديُّ المجهول










مِنَ المُتعارفِ عليه أنَّ الأمَّ هي الَّتي تُعطي الحبَّ والحَنانَّ لجميعِ أفرادِ أُسرتِها، وتُضَحِّي بكلِّ ما تملكُ مِنْ أجلِ راحةِ الجميعِ، ولكنْ مَنْ مِنَّا يَذكرُ بكلامِهِ الأب ذلكَ الجُنديّ المَجهول الَّذي يُفني سِنينَ عُمرِهِ مِنْ أجلِ عائلتِهِ.





لا يمكنُ لأيِّ شَخصٍ أنْ يُقارِنَ تضحياتَ الأُمِّ مَع تضحياتِ الأبِ، فلكلٍّ مِنْهُما دورَهُ الفعال لبناءِ أسرةٍ مُتكاملةٍ. ولكنْ لا يُمكِنُ نُكرانَ أهميةَ وجودِ الأبِ في حياتِنا. ففي مَرحلةِ الحملِ تَحمِلُ الأُمُّ جنينَها في رَحِمِها تسعةَ أَشهُرٍ، وتَعِدُّ اللَّحظاتَ لِتَضُمّهُ بينَ يديهَا، أمَّا الأبُ فيبدأُ بالتفكيرِ بطفلِهِ قبلَ أنْ يُولدَ حتَّى أنَّه يعملُ جاهداً ليُأمِّنَ لَهُ مُتَطَلّبَاتِ الحياةِ ليعيشَ عيشةً كريمةً.





هو فارسُ أحلامِ ابنتِهِ، والبطلُ والمثالُ الأعلى في نَظَرِ ابنِهِ، إنِّهُ الحضنُ الدَّافِئُ لأولادِهِ، وما أجملَ أنْ يحتوي الأبُّ أطفالَهُ تحتُ جَناحَيهِ، وخصوصاً الإناثُ مِنْهُم كي لا تَحْتَجْنَ للبحثِ عَن مَصدرٍ آخرٍ للأمانِ، وتُخطِئُ بالاختيارِ.





هو الجدارُ الَّذي نَستَنِدُ عليه، هو المِظَلَةُ الَّتي نَختَبِئ تَحتها، وتحمينا مِن شُرورِ الدُّنيا، هو مَنْ يُقوينا لمواجَهَةِ الحَياةِ خَارِجَ حُدُودِ المنزلِ، ويَمِدُّ لنا يَدَ العونِ في أيِّ مَوقِفٍ نَمُرُّ بِهِ.





ولكنْ ليسَ جميعُ الآباءِ مِثالٌ أعلى لأبناءِهِم وبناتِهِم، فهُناكَ مَن يكونُ مُتَسَلِّطَاً، ويَستخدِمُ مَوقِعَهُ كربِّ الأسرة لتوجيهِ سلوكِ الأبناءِ، ويتوقعُ أنْ يُنفذَ الجميعُ أوامِرَهُ دونَ اعتراضٍ أو نِقاشٍ. وغالباً هذا النَّوع مِنَ الآباءِ غيرُ مُفَضَّلٍ عندَ أيِّ شخصٍ، وحتَّى لو لمْ تكُنْ نيةُ الأبِ سيئةً، ومِنَ المؤكدِ أنَّهُ يفعلُ ما يفعلهُ بدافعِ الحرصِ والتَّوجيهِ للأبناءِ، ولكن المُبالغةُ في تصرفاتِ وكلماتِ وأي شيءٍ يَفعلُهُ الأبناءُ قد يولِّدُ لديهِمُ شعورَ الكُرهِ أو النُّفورِ. ويُمكنُ أنْ يعودَ سببُ هذا التَّسلُّطُ أو العنفُ معَ الأبناءِ إلى العدوانيةِ الَّتي تعرَّضَ لها الأبُّ في طفولتِه، أو بسببِ مُضايقاتِ المُجتمعِ الَّذي يعيشُ فيهِ.





وهنالِكَ شيئٌ لا يُمكنُ أنْ يسقطَ سهواً وأنْ لا أذكرَهُ، شيئ لا يمكن أنْ نتحدثَ عَن الأبِ وأنْ لا نذكره، ومهما كانَتْ أهميةُ وجودِ الأبِ في حياِة أبناءِهِ، فأصعبُ ما قد يحدثُ في حياةِ أيِّ شَخصٍ هو فُقدانُ الأبِ. في هذه الحالةِ يُسيطِرُ الحُزنُ والضَّعفُ على الإنسانِ، فالأبُ هو رمزُ القوةِ والفرحِ، وهو نِعمةٌ مِنَ اللهِ، ويحسُّ الإنسانُ أنَّهُ فقدَ الحياةَ وهو على قيدها، وينكسرُ وتنكسرُ معَهُ أحلامَهُ، ويحاولُ عزلَ نفسِهِ عن جميعِ مَن حولِهِ فَقَدْ فَقَدَ سَندَهُ وملجَأَهُ.





مهما وَصفنَا أو تكلَّمنَا فلا أحرفٌ أو كلماتٌ تُعطي الأبُّ حقَّهُ، ومهما فعلنا فلنْ نستطيعَ أنْ نَرَدَّ له ما قدمَهُ لنا مِن راحتِهِ وسنين حياتِهِ وتضحياتِهِ من أجلِنا.





تحيةٌ لكلِّ الآباءِ الَّذينّ يُكرسونَ حياتَهم، مِن أجلِ مَنْ هُم مِنْ صُلبِهم، ورَحِمَ اللهُ مَنْ انتقلَ إلى رحمَتِهِ مِنهُم.





كتابة حوراء عيسى


إرسال تعليق

0 تعليقات