في الآوِنَةِ الأخيرَةِ انشغلَتْ مِنصاتُ التَّواصُلِ الاجتِماعِيّ بِالحَديثِ عَنْ وباءِ (كورونا) وتعدَّدَتْ الأصداءُ فِي هذا الأمْرِ، فالبَعضُ طَرحَهُ بِشكلٍ عِلْمِيٍّ مُتطرقاً لأعراضِهِ وطرقِ الوِقَاية، وذلكَ فِي سبيلِ نَشرِ التَّوعِيَةِ و دَرْءِ المرضِ، وآخَرُونَ اتَّخذُوا نَهجَ السُّخرِيَةِ فِي حَدِيثِهمْ، كَما لَا يَخْفَى وُجُود شرِيحَةٍ مِنَ البشرِ اِنشغلَتْ بِإيجَادِ الفتَاوَى الدِّينِيَّة لِلقضِيَّة، وهَلُمَّ جَرًّا. فأمَّا مَنْ سَاهمَ فِي مَحْوِ جَهِلِ الْبَعْضِ وأزاحَ عَتْمَةَ الشَّكِّ وَالتَّخَبُّطِ، وزَوَدُهُم بِمَا ينفعُهُمْ مِنْ معلوماتٍ، فَطُوبَى لَهُم.
و أَمَّا مَنْ جعلَ الأمْرَ مَحطَّ سُخرِيةٍ، فلا أدرِي مَا حالهُ؟! لسْتُ في صَفِّ مَنْ يَبُثُّ الهلعَ والذُّعرَ، لَكن برَأْيِي لا يُعَوَّلُ على أحدٍ يرى الكارثةَ بِعينٍ ساخرةٍ . فلَا يأبهُ بإجراءاتِ الوقايةِ_على الرُّغمِ مِنْ بساطتها_ و لَا يأخذُها على مَحملِ الجِدِّ، رُغمَ أنَّنا هُنَا فِي المجتمعاتِ العربيَّةِ عُمومًا نُعاني مِنْ نَقْصٍ فِي الخِبْرَةِ الطِّبِيَّةِ والوَعْي، إضافةً لِتصديقِ شريحَةٍ كبيرةٍ مِنَّا للخُرافاتِ و الأقاويلِ، والَّتي لا تُخْبِرنَا إلَّا أَنَّ مُطْلِقَها إنسانٌ جاهِلٌ مُثيرٌ لِلشَّفقةِ لا يَهمُّهُ سِوَى تَصْدُرِ مواقعِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيّ مِنْ حَيْثُ المُشَاهَدَاتِ. كما يَجِبُ التَّنْوِيهُ إلى أنْ مشافينا في الوَطنِ العربيّ ليسَتْ مُؤهلةً لحالاتِ الطَّوَارِئ فهي فَقيرَة بالعتادِ الصِّحي والكَوادرِ المُوثُوقَةِ. عمومًا إنَّ جعلَ نفسنا بمنأى عَنْ هذهِ الجَائِحةِ يَعتمدُ بِشكلٍ كبيرٍ على مَدَى التزامِنا بِبَعْضِ التَّعليماتِ البسِيطةِ الَّتِي أصدرَتْها مُنَظَّمَةُ الصِّحَّةِ العالمِيَّةِ. و إنَّ أيَّ تصرَّفٍ غيْرُ مسؤُولٍ يُهَدِدُ صَاحِبُهُ ومَنْ حَولَهِ صِغارًا وكِبارًا بِالدَّرجةِ الأُولَى، وهذا أقربُ مَا يكونُ بِإلقَاء النَّفْسِ لِلتَّهلُكَةِ. و كما يُقالُ يبقَى الوَبَاءُ مُضحِكًا حتَّى يُصَابَ بِه عَزِيزٌ.
و أمَّا مَنْ انشغلَ بِالفتاوَى الدِّينِيَّة والتَّحليلات؛ فلسْنَا نحنُ مَنْ نُقّرِرُ فيمَا إذا كَانَ غضبًا مِنْ اللَّهِ تعالَى أَمْ اختِبار، لسْنَا نحنُ مَنْ نُقَرِرُ أنَّ اللهَ سيردُّهُ عنها لأنَّها ترتدي النِّقَاب و تِلكَ لا.
كفانَا توزِيعًا لِرَحمَةِ اللَّهِ كما يَحْلُو لنا، كفانا استِشهادًا بِدلائِلٍ قُرآنِيَّةٍ وأحاديثٍ بِما يُناسِبُ هوانا. لسْنَا نَحنُ مَنْ يُقرِرُ أنَّ عدمَ الصَّلَاةِ فِي الْمَساجدِ، أو الذَّهَابِ لِلْكَنائِسِ، أو غيرِها مِنَ الشَّعائِرِ الدِّينِيَّةِ الَّتي تُوجِبُ التَّجَمُّعَات سيحيلُ بِنَا لِمَا هو أسوأ، الأمْرُ يَحتاجُ لِبعضِ العقلانيِّةِ. الأخْدُ بِالأسبابِ أحدُ العِمَادِ الَّتِي نصَّتْ عليها مُعظَمُ الدِّيَانَاتِ السَّمَاوِيَّةِ عندَ وُقوعِ البَلاءِ، ومِنْ هذهِ النُّقطةِ فإنَّ فَضَّ التَّجَمُّعَاتِ على مُخْتَلَفِ أنواعِها أحدُ الإجراءاتِ الاحترازيةِ للْحدِّ مِنْ تَفَشِّي هذا المرَضِ. ومَنْ رأى فِيمَا سَبقَ ذِكرُهُ قَطِيعَة لِبيتِ اللهِ، فاللهُ جلَّ جلاله رَحمنٌ بأهلِ الأرضِ، رَحيمٌ بِعبادَهِ المؤمنينَ، يعلمُ سَريرةَ أمرِنا، وهذا يكفي.
برأْيِي الخاص أنَّ أفعالَنا فِي هذهِ الفترةِ ستُحَدِدُ مِقدارَ التزامنا ونُضجِنَا وإدراكِنَا بِالمسؤوليَّة الَّتي تقعُ على كاهِلِنَا اتِّجَاهَ أنفُسِنا الَّتِي سَنُحاسَبُ عليها، واتِّجاهَ أَهْلِنَا و مَنْ حَولِنَا أيضًا، لِذا إنَّ أخذَ الحِيطَةِ واستخدامَ العقلِ والالتزامَ بإجراءاتِ الوِقَايَةِ، ومنْ ثُمَّ مُمارسةِ الحياةِ بشكلٍ طَبيعيٍّ، هو أفضلُ ما يمكنُ فِعلُهُ حاليًا على أملِ أنْ تَمُرَّ هذهِ الأيَّامِ بِسلَامٍ.
و أخيرًا ما جعلني أتناولُ هذا الموضوع هو كمَّيةُ تداولِهِ بشكلٍ مُنافٍ للعقلِ والمَنطقِ. لسْتُ طبيبةً، أو طالبةَ طِبٍّ، أنا كغيري مِنَ البَشرِ الَّذينَ يُثارُ غَضَبُهُم اتِّجاهَ السُّخْفِ المُتزايدِ فِي المُدَّةِ الأخيرةِ. عِلمًا أنَّ الوباءَ مَا إنْ حَلَّ ببيئةٍ ضَحِلَةٍ، وأَعْنِي بضَحِلَةٍ هُنا مَدى افتِقارِ سُكَّانِها لِلنُّضْجِ والوَعْي، فَإِنَّهُ يَستفحِلُ بها قابضًا أرواحًا كَثِيرَةً. يَكفينا مَا تجرَّعناهُ مِن علقمِ الفَقدِ مِرَارًا وتِكرِارًا فِي السَّنواتِ الأخيرةِ، ولسنا بِصَدَدِ فُقدانِ المزيدِ مِنَ الأحبَّاءِ.
نسألُ اللهَ أنْ يَرُدَّ عنَّا هذا الوَباءَ، ويَضمُّنَا في رَحمتِهِ.
روان ادريس
0 تعليقات