خُذلانٌ معتوهٌ










أنّني أتجرعُ الوقتَ كجرعةٍ مهدّئةٍ كذاكَ السّقيمِ الّذي يحتسِي العلقمَ لكي لا يقودُهُ مرضُهُ للجنونِ، لقدْ أصبحتْ أطرافي ترتعشُ كجرسِ كنيسةٍ يُعلنُ أنّهُ حانَ وقتُ نوباتِ الصّرعِ المتكررةِ، ولكن كُلَّ هذهِ الأحداثِ كانتْ في ذلكَ المبنى الكبيرِ الّذي كانَ بمثابةِ الزّنزانةِ للسجينِ لا حريةَ منهُ ولا إليِه، المُصيبةُ الكُبرى كونَكَ كبيرُ سنٍ في دارِ العجزةِ هي أنْ تكونَ بلا زوارٍ، مهزلةٌ عُظمى حيثُ ترى القادمينَ والخارجينَ ولكنَّ لا أحدَ يلتفتُ إليِكَ، ينقضي الزّمانُ وأنتَ تنتظرُ وحدكَ.





تهاتفُ أطفالكَ الكبارَ توّدُ رؤيةَ أحدهمُ في هذا السّجنِ اللعينِ، ولكنْ سيكونُ كمن يُلقي الصّخرَ على عاتقهمُ، وتُصبحُ عبءٍ عليهمُ بعد أنْ عشتَ دهرًا وأنتَ تراهُمُ يكبرونَ أمامكَ شبرًا شبراً..





كيف لهمُ أنْ يعانقُوا الأسَى ليصبحُوا كالصّخرِ وربمَّا أقسى، لمّاذا..؟





تحاورُ ذاتكَ ويقنعكَ عقلُكَ أنّ همومَ الكبرِ قدْ تثاقلتَ وحانَ الوقتُ كي تنزعَ حبَّ الأقربينَ من قلبكَ، كمن ينتزعُ النياطَ من جوفِكَ، تتمارَى بينَ عقلكَ وقلبكَ ولا تصلُ إلى نتيجةٍ، تُقحمُ ذاتكَ بدوّامةٍ كبيرةٍ لا تعلمُ كيفَ تخرجُ منهَا وكيفَ لكَ أنْ تصارعَ في معركةٍ قائدهَا ضعيفٌ لا يقوَى على الحراكِ مسافةَ ثلاثةِ أمتارٍ..





يخذلكَ الجميعُ وتحزنَ على خُذلانِ من أخرجتهُ من صلبكَ وعشتَ معهُ وألقمتهُ الحُبَّ لقيماتٍ لقيماتٍ، تتعايشُ مع حزنكَ حتّى تجفَّ ينابعُ حُبكِ، وتنطفئُ كُل نجمةٍ كانتْ حاملةً عشقًا في جوفكَ، يغلبكَ الأسى والجوى حتّى تقعَ أسيرًا في معتقلِ الأحزانِ وتهتفُ أريدُ الحريةَ، أريدُ الموتَ بلا قيودٍ الحبَّ ولا أصفادَ الوحدةِ، أريدُ الموتَ بلا سكراتٍ، بسلامٍ تامٍ كتحليقِ الطيورِ في سماء هذهِ الأرضِ، أريدُ السّلامَ  فقطْ ولا شيءَ دونَ السّلامِ ..





كتابة: كفا عبد الله الرفاعي.


إرسال تعليق

0 تعليقات