الحداثةُ وتسارُعِها الرَّهيبِ سهَّلَ على البشريةِ أمورٌ عدّة. منها انبثاقُ السُّوشيال ميديا، واختصارها عوالِمَ وحضاراتٍ وأزمنةٍ، مكَّنتْ البشرَ مِنْ التَّواصلِ السَّريعِ، وما مكثَ إلَّا أنْ أصبحَ ذلكَ التَّواصلُ يحملُ مشاعرَ وعواطفَ جمَّةً، يتشاطرُها الأشخاصُ عبرَ غرفِ الشَّاتِ. وبتنا نرى علاقاتٍ حميمةٍ، وقصصَ حبٍّ منها ما كُلِّلَ بالنَّجاحِ وكثيراً منها هبطَ صوبَ الفشلِ، ومنها ما أثَّرَ على صحَّةِ نفسيَّةِ الأفرادِ سلباً، إمَّا باستغلالٍ للمشاعرِ او استهتارٍ بها.
السِّيبرنطيقا أو السِّيبرانيَّة: هو مِن أحدِ العلومِ حديثةِ الظُّهورِ، تحديداً في بدايةِ الأربعينياتِ مِنَ القرنِ العشرين، ويُعد الرِّياضيُّ نوربرت فينر أوَّلَ مؤسسيهِ. تهتمُ السِّيبرنطيقا بالدِّراسةِ العلميَّةِ للتَّحكمِ بالآلاتِ والمخلوقاتِ وسبلِ التَّواصلِ بينَها. وهي التَّأثيرُ على الأشخاصِ عن طريقِ الآلاتِ والحاسبِ، واستخدمُ المصطلحِ بشكلٍ فضفاضٍ أكثرَ، فباتَ يُشاعُ استخدامُ السِّيبرنطيقا في علمِ النَّفسِ والعلاقاتِ الأسريَّةِ، ووسائلِ الإعلامِ.
وصرنا نرى السِّيبرنطيقا في محطاتِ الإعلامِ والدراما بشكلٍ أو بآخرٍ. فقد نقعُ في حبِّ ممثِّلٍ ما، وكرهِ الآخر، وتُثارُ مشاعرنا فنغضبُ لمشهدٍ ونبكي لآخرَ.
باتَ استخدامُ الهواتفِ المحمولةِ شيئاً أساسياً لا غنى عنه في حياتنا اليوميَّة. وتشكَّلتْ لنا حياةٌ خاصةٌ نسبيَّةٌ على الشَّبكةِ العنكبوتيَّةِ، وتَستَّرَ البعضُ خلفَ أسماءٍ وهميَّةٍ، وشخصيَّةٍ لا تمسُّ الواقعَ بصِلةٍ، واستغلَّها البعضُ الآخرُ في إشباعِ رغباتِهِ العاطفيَّةِ، دونَ إعطاءِ أيّ اعتبارٍ لشريكِهِ المؤقَتُ غالباً ،أو مستغلاً إياهُ في أمورٍ أكثرِ كارثيَّةٍ، واستدراجِهِ لهاويةِ الفضيحةِ وِانهيار أركان البيتِ.
العواطفُ، والمشاعرُ، والأحاسيسُ المُعْتَمِلَةُ في قلوبِنا أثناءَ تواصُلِنا معَ الأشخاصِ عبرَ غُرفِ الشّاتِ، هي غالباً امتدادٌ للواقعِ. فإنَّنا بذلكَ حينَ نحبَّ شخصاً على مواقعِ التّواصلِ يكونُ واقعيَّاً وخارجاً مِن جوارحِ القلبِ، وهنا يكمنُ الخطرُ، في أنَّنا لا نستطيعُ تحرِّي حقيقةَ الأفرادِ بشكلٍ واسعٍ، ونُخدَعُ بالمعلوماتِ الَّتي أظهرَها لنا الشَّريكُ، والخطرُ لا يحيقُ بعلاقاتِ الحبِّ فقط، بل تُعنى بهِ علاقاتُ الصَّداقةِ أيضاً. نهايةُ العلاقاتِ دائماً تُبقي أثراً رُوحيَّاً ونفسيَّاً جليَّاً. فقد نصابُ بالاكتئابِ منها، وبالانسحابِ إلى قوقعةٍ سوداويَّةٍ، وقد يؤثرُ سلباً على العلاقاتِ الأسريةِ والعملِ، وقد يتضاعفُ لنصبحَ غيرَ واثقينَ بأنفسِنا وقدراتِنا.
في هذا المقالِ لا أرمي لأن أدحضَ فكرةُ الحبِّ عبرَ الإنترنتِ أو تأييدِها، بلْ لنعطي أنفسُنا وقتاً لنفكرَ بهِ بعقليَّةٍ مَحضةٍ بعيدةٍ عَنِ العواطفِ والرَّغباتِ. هل يستحقُ ذلكَ المجهولُ خلفَ شاشةِ هاتفِهِ، حُبِنَا؟ وهل نملكُ الدِّفاعاتَ اللازمةَ في حالِ فشل العلاقةِ، وحمايةُ نفسيتنا من تبعياتها؟ وأنْ يعلمَ كلَّ فردٍ أنَّ استغلالَ المشاعرِ واللَّعبِ بالعواطفِ جريمةً! وإنْ لَمْ تُعاقِبْ عليها المحاكمُ فإنَّ محكمةَ اللهِ ستعاقبُنا عليها حتماً.
*المصادرُ إنْ وُجِدَتْ:*
ويكيبيديا
إضاءات
مركز جيل البحث العلمي.
مؤمن الرَّمضان
0 تعليقات