الجميعُ يعلَمُ بأنَّ الهُويَّةَ هو مُصطَلحٌ يُستَخدمُ لوصفِ مفهومِ الشَّخصِ وتعبيرهِ عن فرديَّتهِ وعلاقتهِ مع الجماعات، وهي مُجمَلُ السِّماتِ الَّتي تُميِّزُ شيئاً عن غيرِهِ، أو شخصاً عن غيرهِ ،أو مجموعةً عن غيرِها.
و الإنسانيَّةُ : هي عبارةٌ عنِ المعنَى الَّذي تقومُ عليهِ ماهيَّةُ الإنسان، ومن وُجهةِ نظَرِ الفلاسفةِ أنَّ الإنسانَ لا يبلُغُ أعلى المراتبِ إلَّا إذا تحوَّلتْ قوَّتُهُ إلى أفعال.
وبنظرٍ إلى عناصرِ الهُويَّةِ الإنسانيَّةِ نجدُها علاقةً ديناميكيَّةً يُمكنُ أن تبرُز َ أحدَها أو بعضَها في مرحلةٍ مُعيَّنةٍ ،وبعضُها الآخَرَ في مرحلةٍ أُخرى ،وهيَ الَّتي تُحدِّدُ قيمةَ الإنسانِ في مُجتمعهِ واعترافِهَا بهِ، فالإنسانُ دونَ هُويَّةٍ كالتُّربةِ دونَ ماءٍ.
وبنظرٍ إلى اليومِ نجِدُ أنَّهُ قد اِرتفَعَ الغِطاءُ؛ الحُدودُ والفواصِلُ الَّتي كانَتْ حاضنةً لخُصوصِِيَّاتِ المُجتَمعِ الإنسانيِّ منَ العقائِدِ المُختلفةِ، العِرقيَّةِ، الإقليميَّةِ، الثَّقافيَّةِ، والاجتماعيَّة. فباتَتْ هذهِ الأجيالُ المعاصرةُ تعيشُ في فضاءٍ مكشوفٍ تَتدفَّقُ مِنهُ مُختَلَفُ الأفكارِ والخصوصيَّاتِ الحاضنةِ لكلِّ فردٍ بحيث تصلُ لكلِّ الأفراد.
للهُويَّةِ الإنسانيَّةِ ثلاثةُ أنواعٍ:
١_ الهُويَّةُ السَّائِبة:وهي هُويَّةٌ مشقَّقةٌ غيرَ مُتماسكةٍ ،وصاحبُها لمْ يُشكِّل مكامنَها على نَهجٍ واضحٍ لهُ ولمُحيطهِ، فأصبحَ أشبَهَ بجهازِ استقبالٍ يصنعُ مرئيَّاتهِ بحَسبِ ما يسمعُ من غيرهِ.
٢_ الهُويَّةُ المُقفلة: وهي هُويَّةٌ أقفلَها صاحبَها ،و أقفلَتْ على أفكارهِ رافضةً لكلِّ حِوارٍ أو تقريب،ٍ ممَّا يجعلُ صاحبَها يفصِلُ بينَ مُعتقداتِهِ وآرائهِ وبينَ مُعتقداتِ الآخرين.
٣_ الهُويَّة المُنضبِطة: هي الهُويَّةُ الَّتي استمدَّها صاحبَها من نَهجِ فِكرهِ وثقافتِه.
إنَّ حالَ مليارٍ من الأشخاصِ الَّذينَ يتنافسونَ على هذهِ الأرضِ دُونَ هُويَّةٍ تُحدِّدَهُم ،وذلكَ لأنَّ ذاتيَّةَ الإنسانِ لا تُرى بالعين،ِ ولا تُدرَكُ بالعقلِ إلّا إِنْ أفصحَ عنها صاحبَها بأقوالِهِ وأفعالِهِ ،وعندما يبدأُ بالإفصاحِ تبدأُ هُويَّتُهُ بالظُّهورِ، حيثُ ينظرُ المُحيطونَ بهِ إلى أقوالهِ وأفعالهِ، فيسقِطونَ مايرَونَهُ تزييفاً لحقيقةِ هويَّتهِم؛ ويُثبتونَ مايعترِفونَ بهِ ويرونَهُ.
ثم نستدرِجُ بالحديثِ عن المرئيَّاتِ الشَّخصيَّةِ لدى الإنسانِ لنجدَ هناكَ مفهومي الرَّأي والمرئيَّة.
فالرَّأيُ: هو فكرةٌ تتكوَّنُ في عقلِ الإنسانِ إمَّا بإنتاجٍ ذاتيٍّ أو تأثيرٍ خارجيٍّ، وتتغيَّرُ عندَ صاحبِها تحتَ وَطأةِ الأحوالِ النَّفسيِّةِ، أو البيئيِّةِ ،والظُّروفِ المكانيَّةِ والزّمانيَّةِ. والرَّأيُ لا يُحدِّدُ هُويَّةَ الإنسانِ إلَّا إذا تحوَّل إلى رُؤيةٍ تُنتِجُ فِكرَاً، أو إذا تحوَّلَ إلى مرئيَّة شخصيَّة ثابتةٍ لدى الإنسانِ تحكُمُ تفاعُلاتهِ مع مُحيطهِ البشريِّ، فهيَ لا تتغيَّرُ لدى الإنسانِ تِبعاً لأحوالهِ وظُروفهِ ،بل تَظلُّ ثابتةً عِندهُ ومُوجِّهةً لتفاعُلاتهِ مع مُحيطهِ ومواقفِه.
لتكونَ الهُويَّةُ الإنسانيَّةُ المُكتملةُ والمتماسكة ُ تؤدِّي إلى التعايُشِ السِّلميِّ مع جميعِ الاختلافاتِ الاجتماعيَّةِ ،بالإضافةِ إلى كونِها حاجةً اجتماعيَّةً وضرورةً على مُستَوى الأُمَّةِ ؛لأنَّ باكتمالِها وتماسُكِها لا يوجدُ فجَواتٌ ومداخِلٌ قابلةً للاختراقِ.
خِتاماً بخطابٍ قصيرٍ إلى جيلِ الشَّبابِ اليوم ليتمحَّصَ جيِّداً إلى ما يَسمعُ ولا ينجذِبُ لما يُحرِّكُ فِكرَهُ ومشاعِرَهُ الوطنيَّةِ، الإيمانيَّة ، التَّنمويَّةِ ويحمِي منافذَهُ حتَّى لا تتسلَّلَ أَيدٍ خفيَّةٍ تصنَعُ مرئيَّاتِه الشَّخصيَّةِ، وتصنعُها وِفقَ أهوائِها في التَّطرُّفِ والتَّعصُّبِ، فعلى مرِّ العُصورِ لم نُلاحِظْ أنَّ هُويَّتِنا الأساسيَّةَ كبشرٍ ذاتُ أهميَّةٍ أكثرَ من أيِّ شيءٍ آخَرَ وعلى أنَّنا نُكافِحُ ونُحارِبُ من أجلِ عالمٍ أكثر ُعدلاً وسلاماً
المصادر
كتاب الوثيقة البيضاء
لمى العيسى
1 تعليقات
اهم نقطة هي الاحتفاظ بالهوية ، منها نتمكن من تقدير ذاتنا وفهم واقعنا واسلوب حياتنا
ردحذفلك الشكر لمى