لصديقتي يوماً ما....










على منضدةٍ مكتظَّةٍ بالأوراق، و بأقلامٍ جفَّ حبرُ الصبرِ فيها، و فنجانِ قهوةٍ مليءٍ بشبحِ الأوجاعِ الدفينة، أستجمعُ قوَّتي المنهارةِ شاردةَ الذهن إلّا منكِ صديقتي، أحاولُ أن أُلَمْلِمَ شتاتَ ذاكرتي لأكتبَكِ للمرّة الأولى، علّك تغادرينها وتنسابين على الأوراق، لربما أتخلَّصُ من وجعِ حنيني لكِ.





أحاولُ و لكنَّني مع كُلِّ مرّة أكتبُكِ فيها أغرقُ في تفاصيلِ خذلانِكِ أكثرَ فأكثر، فبعضُ الأوجاعِ نبكيها حروفاً لا دموعاً، ولذا فأنا أبكيكِ في كُلِّ سطر.





بياني، كم كنتِ بياناً لفرحي و حلمي وسرَّاً لضحكتي، كم كنتِ أملاً لقلبي.. و لكن يوماً ما يا صديقتي..





فاليومَ لستِ سوى بياناً لأوجاعي و اشتياقي، لألمي وخذلاني.





إنّها المرّة الألف التي أكتبكِ فيها، و المرّة الألف التي قلتُ إنّها المرّة الأخيرة، كيف أنجحُ و كلّما أوشكتُ أن أفرُغَ منكِ تماماً تملئين تلافيفَ ذاكرتي





التي لم تغادريها كما غادرتِ أيامي و أحلامي.





بياني، ألم تلمسي الشوقَ بكلماتِ وجعٍ نظمتِ حروفها ببلاغةِ حقدك، وصرفتِها على النحو الذي يُشبِعُ غريزة غرورك، بيدين كانتا يوماً ما تُرَبّتان على كتفي، مُردّدةً بشفاهٍ اعتادتِ الكذبَ: لا تبكي خذلانَهم ياصديقتي فأنا معك، و اليومَ، لمن يا ترى أشكو خذلانك؟!





اليومَ أفرغُكِ يا صديقتي على ورقةٍ بيضاءَ أخفّ من أن تتحمَّلَ سطورُها ثقلَ شعوري، بيدٍ مرتعشةٍ أثقلَ من أن ينساب قلمها دون قيود الذكرى.





أكتبكِ يا كتلةً من الخذلان اللعينِ على ورقةٍ ستحرقها نيرانُ وجعي فأحرقُ ذكراكِ معها.





أحد عشر عاماً من العهود الكاذبة يا صديقتي، كنتِ كُلَّ يومٍ تخيطين فيها لقلبي الكفن، أبشّركِ، أنا اليومَ جثّةٌ هامدةٌ مفرّغةٌ من المشاعر، قتلتِ براءةَ الطفولةِ في عينيها.





أنعي نفسي كُلَّ ليلةٍ، و تطوف حول روحي أشباحُ الذكريات، لتقيمَ لقلبي المآتم.





عامٌ مضى على رحيلك، و كأنَّ سكينَ حقدك انغرسَ اليومَ في أحشائي، عامٌ مضى و أنا أنتظرُ صحوتي من حلمٍ أتمنّاه حلماً.





أكتبكِ اليومَ و أنا أَخُطُّ لكِ طريقَ العودة، عودي يا من غابتِ الضحكاتُ بعدَك و تلبّستني الأوجاع ياصديقتي.





هل سمعتِ بمقولة "الصديق لا يرحل، بل يتركُ في روحك ندبةً لا تُمحى" ؟





ولهذا حائرةٌ أنا بعدَكِ يا صديقتي، أشكو وجعَكِ لله ولا أشكوكِ، أكره وجعَكِ و لا أكرهُكِ، ما زالَ وجعُكِ يرميني في بحر الشتات، في قاع الوحدة.





يا أيّتها المارّة بينَ الذكريات العابرة، اجمعي شتاتَ طيفكِ و انصرفي، و خذي ما شئتِ من حرقة الفؤاد و وجع الذاكرة..





انسابي على الأوراقِ و انصرفي، آنَ لكِ أن تنصرفي..









ندى يوسف


إرسال تعليق

0 تعليقات