الثّاني عشر من أكتوبر
عزيزي يا صاحب الظل الطويل
كيف حالك ؟
لن أخبرك في رسالتي ذي عن الأشياء الفظيعة الّتي حدثت معي في الآونة الأخيرة وأحاول ألّا أخبرك كيف كدت أقع من نافذة غرفتي (طابق ٣) في إحدى محاولاتي لنقل بعض الأثاث عبرها منصاعةً لأفكاري الطّائشة لا أريد إخبارك كي لا تقلق .
كما أحاول أن أمسك لسان قلمي عن التّحدث حول موضوع الجوارب الحريرية الّتي تشغل رؤوس إحدى صديقاتي والّتي (لا يعجبها العجب)، تخيّل جوارب تملأ رأسها .
عزيزي ، ستخبرك فتاتك الشّقية عن درس جميل تلقّته في عقلها وهضمته في تلافيف دماغها ..
إنّي أرمي إلى السّعادة، هي عنوان الدّرس الّذي سأطرح عليك بعضًا منه .
ﻻحظت أنّ أحدًا في هذا العالم ( لم ألاحظ العالم في الواقع ، إنّهم مجرد عيّنة من النّاس ) لا يلاحظ أنّنا محاطون بكمّ هائل من الأشياء الصغيرة التي تجعلنا سعداء .
وسأبدأ بالأشياء القليلة الّتي تجعلني أشعر بدغدغة السّعادة لقلبي ، إنّها أشياء متقطّعة وغير مترابطة لكنّني اقتنيت ما يغمرني غمرًا .
إنّني أقف دائمًا أمام نافذة غرفتي وأضحك فرحًا لجمال المنظر منها ، كيف تبدّل السّماء لوحتها في اليوم غير مرّة على مدار السّاعات ! يا للخيال !
نتناول يوميًّا وجبتين ليستا فاخرتين ، لكنّني أقضم الطّعام كما لو كنت أقضم السّعادة .
الهدوء المطمئن في الصّباح ، والجلبة المرحة في صدر النّهار ، يرغمك على الابتسام ،،
غرفتي مكعّبة الشّكل رغم بساطتها إلّا أنّ فكرة كوني أقطن داخل علبة هدايا -مع أنّها لا تحوي هدايا البتّة- لا تفتأ تباغتني كالمجنونة فأشعر بطيف من السّعادة .
عندما يصل ساعي البريد ، أطير بخفّة وصوت ضربات قلبي أعلى من صوت خطواتي على السّلالم ، بينما أهبطها ﻷفتح صندوق بريدي ، وإذا ما قبّلت عيناي رسالة ما ، فالسّعادة مشوارها اليوم في جسدي ، وتبدأ التّفاصيل تنسج نفسها في مخيّلتي الفظيعة : "إنّ المرسل كان يقصدني فعلًا بكلماته وهو وإن لم يكن ينتظر ردًّا عليها فلا شكّ بأنّ له رغبة في أن أقرأها " لذلك يجب أن تكون سعيدًا، ﻷنني أراسلك بشكل مستمر أنت سعيد بذلك أنا أعرف وأنا سعيدة أيضًا، إنّني حقًّا ﻷغبطني أنّ باستطاعتي مراسلتك متى يشاء قلمي وقلبي ، أن أرمي بشتّى أفكاري في بحيرة بيضاء بصنّارة حبر والحروف تقفز أمام ناظريّ كالأسماك .
نحن نسعد عندما نراسل من نحبّ (عائلة/أصدقاء) وليس لديّ أدنى شكّ بأن رؤيتهم ترفع من معدّل السعادة .
أجل .. أن تحتضن أحبّتك أو تصافحهم ، أن تودّعهم وتعدهم بلقاء قريب، أن تقدّم لأحدهم هديّة ولو كانت وردة أو قطعة شوكولا صغيرة ، إنّك عندما تفعل ذلك كما لو قلت له "إنّني أخصّك بحبّ واهتمام" ..
النّتيجة : السّعادة تتحقّق إذا وفقط إذا تحقّق الحبّ !
هنا أدركت أخيرًا يا عزيزي ، أنّنا نملك يدين في أعماقنا ، نستطيع بهما قتل السّعادة ، وكذلك أن نحييها .
هل تعلم كيف أتخيّل الأمر ؟ أتخيّله كما لو أنّ بداخل كلّ بشريّ غدّة وهميّة تفرز هرمونًا للسّعادة ، تبثّ أوامر السّعادة إلى العقل والقلب والأطراف والحواس ، فتغدو حركات المرء تنطق حروف السّعادة نطقًا جميلًا .
هل تشعر كما أشعر بأنّني ألقي محاضرة ما وأنّني أدركت توًّا كم أنّ إلقاء المحاضرات أمر جالب للسّعادة .
لا يزال هناك الكثير من التّفاصيل الّتي تركّب السّعادة ، كالتّحدث مع الغيوم والنّجوم ، ومعانقة السّماء بفتح ذراعيك للأعلى والدّوران كالأطفال ، تناول الطّعام ليلًا ، التّعاون ، الغناء مهما كان الصّوت لطيفًا ومزعجًا ، أنا إذا عطستُ أشعر بنشوة غريبة ... إلخ
وما إلى ذلك من أشياء مبهجة ، وددتُ إخبارك بها لكنّ قلم حبري أخذ بالنّفاد، والسّاعة الآن ﻻ تزال الرّابعة صباحًا ، من يراني يظنّني مجنونة رسائل ، لكنّني حقًّا أتذوّق السّعادة بحروفي حينما أخطّها لك في هذا الوقت ؛ ضوء القمر يغنيني عن أيّ مصباح آخر ، بينما يلامس نسيم الصّباح كلماتي فأشعر الحروف تتمايل وتكاد تهوي نعسة ، قد تتساءل ، لماذا أفتح النّافذة في هذا الجوّ البارد؟، إجابتي بسيطة ، بعيدًا عن إغراء السّماء والنّسيم ، أعترف أنّني وبهذه الطّريقة أستطيع سماع صوت الصّراصير بشكل أوضح ، هذا الصّوت يضفي إلى ستار الّليل موسيقا رائعة ، تمامًا كما يضفي صوت العصافير رونقًا للصّباح ، أنا لا أجد غرابة بالمقارنة بين العصافير والصّراصير، هناك شبه كبير، كما أنّهما في تناوب ، وبعد قليل ستبدأ معزوفة العصافير .
نهايةً، عزيزي، أتمنّى ألّا تشعر بالملل من إسهابي في الكلام (وكيف أشطّ الكلمات وأمطّها) لكنّني أودّ مشاركتك ما يحدث معي، فالمشاركة تجلب السّعادة، وحكمتي الشّكسبيريّة التي ابتكرتها إثر ما تعلّمته هو أنّ للسّعادة ظلّ طويل يصل إلى السّماء، نحن فقط علينا أن نشرق ليظهر .
ملحوظة(١) : أتساءل لو كان لديّ أخ أكبر منّي ، هل كان سيعتني بي أو كنّا سنتشاجر، لربّما كان سيلقّبني بمهووسة القراءة ، أو ربّما أكون وهو مهووسان فعلًا بالقراءة ، هل يا ترى سيكون عاقلًا مثلي (لا تهزأ) وهل كان سينجو من نافذة الطّابق الثّالث ؟ والأكثر إثارةً ، هل كان سيملك ظلًّا طويلًا كظلك ؟ مجرّد التّفكير في الأمر يجعلني سعيدة .
ملحوظة(٢) : ﻻ أدري ما مناسبة الملحوظة الأولى لكنّها طرأت على ذهني فجأة فلم أستطع إلّا أن ألصقها على الورقة .
ملحوظة(٣) : المحاضرة القادمة ستكون عن الحبّ أجل هل تصدّق يا عزيزي أنّني وقعت بحبّ نفسي ؟
المخلصة الثّرثارة والبروفيسورة :
جودي آبوت
إيناس بَشبَش
0 تعليقات