هذهِ أنا؟
في صباحِ يومٍ كنتُ ذاهبةً إلى عملي، وإذ بشابٍ صوتهُ ينهَجُ بالبُكاء، حينَ رأيتُهُ جاءَني الفضولُ بمعرِفَةِ ما السبَب وراءَ بُكائِهِ الشديد، ترددت وأكملتُ طريقي وأنا أفكر فيهِ، ولم أستطِع أنجازَ شيءٍ سوى عقلي المُشتَّت بذاكَ الشاب المسكين الذي ضاقَ قلبي كثيرًا عليه، بعد عودتي من العمل وبعدَ أن وصلَ الفضولُ أقصاه ذهبتُ إلى ذات المكان الذي كان يجلس فيه، راحت أنظاري في المكان تبحث لكنني لم أجدهُ حتى أنني انتظرتُ بضعَ ساعاتٍ ولم يأتِ ، كان هناكَ رجلٌ عجوز يبيعُ الكثيرَ من الحلويات، سألتهُ عن الشاب الذي كان يجلسُ بجانبِ الشجرةِ على المقعد.
-قال لي: لا أعرف.
-رددتُ الشؤال فقال لي: لماذا تسألين عنه يا ابنتي؟
-لأمرٍ ضروري
-عودي في المساء، أنا مُنشَغِلٌ قليلًا الآن.
ونعم فقد عُدتُ إليهِ في المساء.
قال: هذا الشابُّ يُدعى علاء، لا يتجاوز العشرينَ مِنَ العمر، انخذلَ من جميع أصدِقائِه فهو وحيدٌ تمامًا، كان يعيشُ في مَيتمٍ لم يملِك سوى صديقٍ واحد اسمُهُ أحمد وما لبٍثَ حتى سمِعَ خبرَ وفاتٍهِ في حادثِ سيرٍ مؤسِف، في هذا الصباح لم تتوقَّف عيناهُ عن مهمَّةِ الغيوم، ولا أعرِفُ أينَ مكانهُ الآن فسألتهُ عن البيت وأخبرني بأنهُ بالميتمِ لا يملِكُ منزِلًا.
لا أعلم ما أصابني حتى قادتني قدمايَ إلى الميتم وعينايً تسيلُ دموع ولا أشعر إلا بخنقةِ روحي،
اسمه الكامل: علاء محمد ابراهيم، هكذا قلتُ للمدير.
المدير للمسؤول: ها هو علاء قد عاد.
التفتُّ للخلفِ وإذ بعلاء الحزين بتلكَ الملامِح الباردة، رأيته ولم أذهب إليه.
في اليوم التالي وقفتُ أشاهِدهُ من بعيد، بقيتُ على هذا الحال أسبوعًا كاملًا حتى ذهبتُ إليهِ وأخبرتهُ بأني أخصائية علم نفس مع العِلم كنتُ أدرسُ الطب ولا أعرفُ بعلمِ النفس شيئًا، فبدأتُ أسحبُ الكلام مِنهُ رويدًا رويدًا وكان هدفي الأول والأخير أن أبعثَ السعادةَ لقلبِهِ وروحهِ وفي كل يومٍ أذهبُ إليه وأنصحهُ وأُسايرهُ.
إلا أنني انتقلتُ من مدينتي ولم أرَهُ لمدةِ ستَّةِ سنوات وعندما رجِعتُ إلى المدينة رأيتُهُ وإذ بهِ أكبر أخصائي في علمِ النفس، والجميعُ يمدحونَ بهِ.
ها هو علاء قد تزوَّجَ وأصبحَ لديهِ ابنتين.
علاء الشاب الذي خُذِل من الجميع علاء الشاب الذي عاشَ وحيدًا، الشاب الذي توفى أعز شخصٍ لقلبِه.
فرٍحتُ كثيرًا حينَ قال لي: أنتِ أكبر أسبابِ وصولي لهذهِ المرحلة؛ لكِ الفضلُ الأول والأخير أنتِ من أفضل الأشخاص كنتِ لي أُختًا،أبًا، أُمًّا، صديقًا ومعلمًا، أنتِ إنسانه لا مثيلَ لها، تأثرتُ كثيراً بهذا الكلام، عندما تتحدث مع شخصٍ اسمعهُ جيدًا، كُن لهُ سندًا وعونًا لا تكن جُرحًا وتعبًا فأنتَ قد تُغيِّر حياةَ شخصٍ وأنتَ لا تعلم.
ميس الريم ناصر
فلسطين

0 تعليقات