"عشْ مؤمناً بحتميّة وجودِ يومٍ يخالف توقعاتك، فالتوقّع قد لا يحميكَ من نتيجة فعلٍ لم يكن مُحتملاً".
-شارع هَرِم، بشر يتسكعون كالجثث الهاربة، لا إنارة تهاجم وَحشتهم، ولا سماء تتثاءب في وجههم المحموم.
”الخرطوم“ ٣٠/٦
-مدينة الأشباح المملوءة بالعجائب، تعيش حانقةً في ظل انقطاع التيار الكهربيّ لساعات طويلة، في ظل أسعار الحاجيات التي باتت تعانق قمم الجبال، وفي ظلّ تفشّي فيروس طال عبثه ما يُقارب ثمانية ألف آدميّ أي- ١٦ ألف رئة موبوءة تتنفس الأوكسجين بصعوبة-، هنا لا يتوفر أوكسجين! مُت يا بأسُ، مُت حزينًا !
تكوّرتُ على أريكتي السمراء، أعتقد أنكم تعرفونها جيداً، الأريكة التي أبدأ بوصفها دوماً عند كتابتي للمذكرات، فيها يهبط الإلهام، ويعشعش الورد بأكواب الشاي والقهوة، إنها الشاهدة الوحيدة على جنوني الوديع، على طيشي، حماقاتي، عقلانيتي، رواياتي، وعلى نقاشاتي مع المزهرية، واللاشعور الماكث هناك، في الأفق البعيد. لا وجود للتيار الكهربي اليوم.أضأتُ مصباح هاتفي الذي لا تتجاوز بطاريتَه الـ ٥٠٪ ، سأهرب بطريقتي، بالقراءة، الهرب لذيذ. يون نوجوتشي «ينابيع الحكمة الشرقية» (استمع إلى صوت ذلك العصفور، ليس من أجل غنائه إنما من أجل الصمْت الذي يليه.) جورج ستاينر، «عشرة أسباب ممكنة للأفكار الحزينة» (هناك عمليتان لا يُمكِن للإنسان إيقافهما ما دام هو حيًًّا؛ تنفُّسه، وتفكيره. في الحقيقة، إننا نستطيع إيقاف تنفُّسنا فترة زمنية أطول من قُدرتنا على إيقاف أفكارنا، ومن ثَم، فإن هذا العجز عن إيقاف أفكارنا هو قيدٌ مُخِيف.)
(جاء صوته خافتاً من الغرفة المجاورة) "شوف بقينا فين يا قلبي .. وهي راحت فين" 🎼 قفز قلبي حينما ميّز صوته وصاح : فين يا عبد الحليم فين؟
- ربما في رحاب سيرك دمشق القديم، تتساقط أحاديثي كما يتساقط الشَعرُ الغجريّ على كتف فتاةٍ في العشرين من عمرها، فتاة بغلاف قضية،تتمرد على قومها، تُرتب كينونتها بمقالاتٍ ونصوص، يرونها غبية ! - ربما في قارب صغير يشق طريقه قاطعاً نهر المسيسبي، منتظراً حفلات ذكرى شكسبير، تُغطيه ثلوج النرويج، بالقرب من قلعة كرونبورج الدينماركية، يتناول سمك التونة الشهيّ ثم يُلّقي مثلاً إسبانياً على رفاقه الكادحين : " el fin justifica los medios " النهاية تبرر الوسائل.
أو ربما في جزيرة نائية تحت رحمة درب موحش. "بقينا يا قلبي"
لم يقتنع عبد الحليم بإجابتي فأجاب هو مُغنياً : ”في سكة زمان راجعين في سكة زمان .. في نفس المكان ضايعين في نفس المكان“🎼
0 تعليقات