الكتاب: عصفور من الشرق
الكاتب: توفيق الحكيم
الصفحات: 188 صفحة
مما لا شك فيه كتابات وإبداعات الكاتب "توفيق الحكيم" خاصة في المجال المسرحي، حيث تُعتبر هذه الرواية ضمن مجال المسرح الذهني الذي يصعب علينا تجسيده واقعيا.
بقراءة بسيطة في العنوان "عصفور من الشرق"، و بالتأمل في كلمة عصفور، يُخيَّل لنا أن البطل عصفور، حُرٌّ، طليق في السماء، نظن أن الرواية تتحدث عن الحرية والسفر والترحال. ولكن عند قرائتنا للرواية نجد أنه عصفور شرقي وحيد، مسجون في سماء الغرب، في سماء أوروبا أو بالأحرى أرضها.
غالبا ما تجده مسجونا داخل غرفته مع كتبه، باحثا عن الحقيقة ومؤنسا وحدته. كان يحب الخروج والاستماع إلى مقطوعات موسيقية كلاسيكية في مسرح "الأوديون". في ذاك المكان بالذات، حلّق وطار قلب العصفور المسجون، فقد حررته بائعة التذاكر.
الفتاة ذات الجمال الفرنسي الباريسي، شعر ذهبي منسدل كالحرير، عينان فيروزيتان كأنهما الجنة.
كان يجلس قُبالة باب المسرح، يتأملها دون حراك، حتى خُيِّل لها أنه مجنون.
عندما يعود إلى المنزل يحكي لصديقه أندريه عنها بطريقة لا تشبه غيرها، طالما نصحه صديقه وقال له أنها مثل غيرها من الفرنسيات. نصحته زوجة صديقه والتي تدعي جرمين بأن يشتري عطر "هوبيجان" ويقدمه هدية لها ليتعرف عليها، مادام لا يعرف عنها شيئا حتى اسمها. لكنه رفض، فهو يرى أنها تستحق طريقة أرقى من ذلك، وهدية ذو قيمة غالية وثمينة.
لحد الآن الرواية لا زالت في شِقِّها العاطفي والعلاقة العابرة.
لكن أجمل ما في الرواية هو شِقُّها الثاني الذي تعرف فيه على روسي يدعى "إيفانوفيتش" الروسي الذي يبحث عن الحقيقة؛ ليريح نفسه القلقة. فقد ترك روسيا وأتى إلى أوروبا؛ ليجد الجواب بعد ما كان يسمعه عنها، فاكتشف العكس تماما. اكتشف أن الأوروبيين وبظهور الرأسمالية حولت البشر من كائنات إنسانية إلى آلات منتجة، خاضعة للعمل كالعبيد لكن بأجر زهيد.
كان دائما ما يتحدث عن الأرض والسماء، الواقع والخيال. فالأرض حسب نظره هي الواقع، والسماء هي الخيال.
الأوروبيون محوا السماء، فقد أصبحوا واقعيين جدا، عكس أصحاب الشرق الذين يرى أنهم مرتبطين بالأرض والسماء، حيث أنهم وإن تعبوا وأصابهم الشقاء في الأرض يعلمون أن هناك جِنان تنتظرهم في السماء. على الأقل تخليهم أو حلمهم بها يزيل عنهم بعضا من الشقاء.
كان عصفورنا الشرقي "محسن" دائما ما يدخل في نقاشات فلسفية مع الروسي إيفان، الذي يبحث عن المدينة الفاضلة، فيؤكد له محسن عدم وجودها لكنه مُصر على فكرته.
"قرأ《إيفان》ما يجول بخاطره فصاح وهو يهز كتفيه:
آه ..《الخيال》... هو ليل الحياة الجميل!... هو حصننا وملاذنا من قسوة النهار الطويل... إنّ عالم 《الواقع》لا يكفي وحده لحياة البشر!... "
ذات يوم نادى إيفان صديقه محسن بعد أن كانت حالته قد تدهورت، وطلب منه أن يعاهده على أن يذهبا معا إلى الشرق، وأنّ الشرق هو الجواب لكل أسئلته. كان محسن يسايره فقط بحكم مرضه، ولكنه يقول في قرارة نفسه. "نعم اليوم لا يوجد شرق!... إنما هي غابة على أشجارها قردة..." قُبيل أن يجد رفيقه ملقا على ظهره فوق صندوق، ورأسه إلى الحائط، وباقي النور الذي كان في عنيه بدأ بالانطفاء، قائلا في صوت لا يكاد يُسمع: "اذهب أنت يا صديقي... إلى هناك... إلى المنبع... واحمل ذكراي وحدها معك... وداعا..."
كميةُ عمقٍ، جمالٍ، وسلاسة لا توصف في الرواية. تفاصيلها ممتعة حقا. حيث تَنقَّل بنا الكاتب من علاقة حب، إلى نقد الرأسمالية والمجتمع الأوروبي عامة والفرنسي خاصة، وحالات الفقر، والاضطهاد، ومعاملة العمال كالعبيد دون أن يستطيعوا الدفاع عن حقوقهم.
كُتبت الرواية سنة 1938 وترجمت للغة الفرنسية سنة 1946، بعد ذلك ترجمت إلى لغات أخرى كالإنجليزية والإسبانية، تعتبر من بين أشهر كتب "توفيق الحكيم"

0 تعليقات