في جنّةٍ سوريّةٍ صغيرة تقفُ على شظايا الحربِ ندَّاً للحرب نعيشُ أنا وأمي نقتاتُ من الصبرِ حتى نواصلَ الحياةَ ما استطعنا في غيابِ أبي الذي يقطنُ في مكانٍ لا نصلُ إليه أبداً...أنهلُ العلَم بحبٍّ تحتَ اسمِ الجهادِ وكنُت وعلمي عزاءً لأمي في مراسيمِ موتِ الحياةِ في قلبها وطغيانِ جبروتِ الحرب!! أخيطُ شوارعَ قريتي ببعضِها وجهتي الجامعة أتأمّلُ معالمَ القرية أعانقُ فيها الياسمين الذي يستحق تحيَّتي كلَّ صباحٍ لصموده رغمَ أنفِ الحرب و أعدُّ هالاتِ القذائف التي تركتها الحربُ رغماً عنَّا في منازلِنا، كانت قريتي تعقدُ اتفاقاتٍ عدَّةٍ مع الحياة تنصُّ على أن يمارسَ الناسُ حقوقَهم الطبيعية لا يأذون و لا يُؤذون مقابلَ أن تبقى الحربُ على الحيادِ سرعانَ ما تنقضُ الحربُ كلَّ المواثيقِ كالَّذينَ خذلونا !تنقضُ الحربُ ميثاقاً لم تدخل فيه و تبقى على الحيادِ اسماً في عيونِ العالم أمَّا فعلاً يكونُ من نصيبِ طيرانِها و القذائف يوماً ما و خلالَ عودتي من الجامعة في وقتٍ يوشكُ فيه أذانُ العصر أن يحلَّ برحمة كلماته على قلوبنا و على مدخلِ القرية شيءٌ غريبٌ كان يُخَيِّمُ على ذرّاتِ أكسجينها على غيرِ عادتها، لم ألقَ ترحيباً من عطورِ الياسمينِ و لم أشتمَّ رائحةَ الفرنِ تنبعثُ من ثقوبِ الموتِ لتحيي قلبي ! انقبضتْ روحي وأنا أُفَتِّش في قلبي عن شعوري بوجودِ أمي وما إن وطِئتُ الطريق شعرتُ بأشباحِ دوارٍ تلتهمُ رأسي وتأكلُ منه وتُضَيِّقُ على أنفاسي الخناق وحينما برقت في عينيَّ صورةُ الموت يبسطُ ذراعيهِ فوق القريةِ مُلقياً حِممَه على أهلِ القرية ما عدتُ أعي شيئاً وتداخلتِ الجهاتُ وسقطَ قلبي!
صحوتُ دونَ قيدٍ للزمن أعيدُ ترتيبَ المشهد ما استطعت ما الذي ألقى بي هنا بعيداً عن جنّتي أتلفَّتُ غرباً لا أرَ مئذنةَ مسجدِ عبد الله بن رواحة تعانق السماء! أنظرُ شرقاً لا أرَ الزيتون يحتضنُ زيتَ الأرضِ من الشرفة! أُديرُ نظري جنوباً و شمالاً لا يُخَيِّمُ على عينيّ سوى ذرَّاتِ أكسجينٍ مُفعمةٍ بداءِ الاختناق تولجُ في عينيَّ بشدة حتى يفقدَ البؤبؤُ سيطرته فلا أعودُ و أبصرّ شيئاً و أغرقُ مجدَّداً في سطوة الغيبوبة لا يعودُ للمكانِ أثرٌ و كأنَّني أفترشُ الفضاء و أتغطَّى بعراءِ الكون تحت سقفِ السّماء مُتَعرِّيةً من الحياة مُتحرِّرةً من ضجيجِ الحرب، بقيتُ أيّاماً أموتُ و أحيا في لا مكان و أبصرُ لا شيء و أتحسَّسُ اللاشعور و حينما تمكَّنت منّي صدمةُ الغيبوبة شعرتُ أنَّ كلَّ شيءٍ فيَّ عقدَ اتفاقاً مؤقتاً مع الموتِ إلا الشعور ! كان يزاحمُ رأسي ضجيجاً بهدوئه! أرعبَ الهدوءُ قلبي ما عهدتُ أنا إلا صوتَ القذائف ما الذي ألقى بي هنا في لا مكان؟! أتساءلُ مُجدّداً بلا وعيٍ و بلا إجابة أدورُ في دوّامةٍ سوداءَ تُسدلُ على عينيَّ أغطيةَ الكون تُضَيِّقُ الخناق على عنقي كأنَّ حبلَ مشنقةٍ يُلَفُّ عليها و أشعرُ بالزفيرِ يقتلعُ رئتيّ رغمَ اللاوعي المحيطِ بي أعصرُ دماغي أحاولُ الإلمامَ بالأحداثِ ما حدثَ و ما يحدثُ و أفشلُ في السيطرةِ على جهازي العصبي ، يزدادُ توتّري و تطولُ الغيبوبة التي يداهمها الشعورُ على حينِ غرَّة أحاولُ تشخيصَ حالتي و أنا غيرُ قادرةٍ على فتحِ عينيّ، ترنُّ الأجراسُ في دماغي و تُقرَعُ طبولُ الخوف، تُدخلُني خلايايَّ للعنايةِ المشدَّدة تحتَ مُسمَّى حالةٍ طارئةٍ لإجراءِ بحثٍ سريعٍ عمّا أمرُّ به، تتعدَّدُ النتائج و تتقاربُ أرقامُ الخوفِ فيها، نوبةُ هلعٍ، كابوسٌ واقعيٌّ حادّ، معركةُ مشاعر، أبقى في المعركةِ ضحيَّةَ لا مكان، كلُّ شيءٍ قد يصبحُ اعتياديّاً مع مرورِ الزمنِ عليَّ إلا مكانُ ولا مكانِ هذا، لم يرتَحْ له قلبي و كأنَّه يُفَتِّشُ عن نبضاتِه في أزقّةِ قريتي من خلفي و أنا ألهثُ وراءَهُ باحثةً عنه بلا جدوى فلا بوصلةَ تهديني إليه و لا خريطةَ أراها في غيبوبة، و أحسبُ أنَّ القلوبَ خرائطَنا إلى ما نحبّ فإذا فقدناها فقدنا الطريق و تاهت خطواتُ حياتنا و اضطربت نبضاتُ إصرارِنا و أضعنا الحبَّ و من فيه !! لربّما أضعتُ قلبي و أنا غارقةٌ هنا في بحارِ هدوءٍ مخيفٍ لا قَشَّةَ فيهِ ليدِ أمّي تمدُّها إليّ، توالتِ الأيامُ عليَّ و أنا أخوضُ هذا الصراعَ شيئاً فشيئاً أحسستُ أنَّ الوعيَ يداهمني ببطءٍ تحسَّسْتُ جسدي حينما تحركت يداي ؛ فتَّشتُ عن عينيَّ أولاً كي لا أُضيِّعهما كما أضَعتُ قلبي ! عثرتُ على نظري! لكنّني لم أعثر على الحياة! لم أعثر على أمي ولا على المنزل ولا حتى قبرُ أبي، حاولتُ أن أصرخَ غيرَ أنَّني قد تركتُ صوتي في أذنِ أمي ولا وجودَ لأمّي هنا حتى أسترِدَّ صوتي وأصرخ! اختنقتُ صمتاً وخطوتُ خطواتٍ جريئةٍ لا آبه بما سَيحِلُّ بي لو كانت الوحوشُ تقطنُ في الزوايا! كان المكانُ مظلماً لا يأوي الشمسَ في عتَباته قديماً تحاصرُ جدرانَه جيوشٌ من الكتب ورائحةٌ غريبةٌ تنبعثُ منه حسبته سرداباً رومانيّاً لآثارِ روما ولم تكن كلُّ الطرقِ توصلُ إليه كان له طريقاً واحداً وبذا أنقذني من عناءِ متاهةٍ في الواقعِ كنتُ قد تهتُ بها خلالَ نومي.
تابعتُ مسيري والنقائضُ تقتاتُ عليَّ حتى وصلتُ لغرفةٍ مظلمةٍ يسطعُ من منتصفها نورٌ خافت، شعرتُ بنوبةِ الاختناق عادت إليّ ونفدَتِ الطاقةُ من أعصابي وقبلَ أن أطرقَ البابَ سقطتُ، كانت رائحةُ المكانِ تشبهُ إلى حدٍّ ما رائحةَ موادٍ كيماويّةٍ تُطبقُ على أنفاسي كلّما علقَ شيءٌ منها في رئتيّ وسقطتُ صريعةَ اللاوعي في غيرِ مكانِ سقوطي المعتاد وسطَ عتمةِ المكان ورهبته وددتُ لو كان آخرَ سقوطٍ لي في الحياة،
يدٌ خفيّةٌ لا أكادُ أشعرُ بوجودها معي كانت قد حملتني إلى حيثُ أتيت، بعدَ ساعاتٍ من نوبةِ ضيقِ الأنفاسِ والغيبوبة صحوتُ لأجدَ نفسي في مكاني خَيَّمَ الضيقُ على قلبي وشهقتُ حزناً بحارِ الدموعٍ وتنهَّدتُ حتى كادت رئتيّ أن تقتلعَ من قفصيَ الصدريّ أو تتفَجَّرَ فيه! شعرتُ بالعجزِ يأكلُ روحي صرختُ حينما بكيتُ لربّما كانت الدموعُ تسرقُ شيئاً من حبالِ صوتي وحينما تمكَّنتُ منها عادَ إليَّ شيءٌ من الصّراخِ الذي صرخته عبثاً دونَ سامعٍ إلا أنا! أخذتُ كتاباً من الرفّ كانَ ديوانَ شعرٍ قرأت منه قليلاً بغيةَ إضاعة الوقت كي لا أشعرَ فوق تخمة الشعور بالملل وطولِ الوقت، غفوتُ هذه المرَّةَ بإرادتي تاركةً الديوانَ بجانبي ولم أستيقظ إلا واليدُ الخفيّةُ تلامسُ وجنتيَّ بحذرٍ شديد، ذُعرتُ من هولِ اللمسِ لم أتجَرَّأ لفتحِ عينيَّ لأرى من ذا يختطفني هنا؛ أنَفَرٌ من الجنِّ أم ملاكٌ من السّماء!
ربما شعرَ بخوفي وتقَلُّصِ عضلاتِ وجهي تحت يديه تمتمَ بصوتٍ هادئٍ: لا تقلقي أنتِ على ما يُرام
وقبلَ أن أفتحَ عينيَّ قلتُ بلا وعيٍ: من أنتَ؟ ماذا تريدُ منّي ؟، أين أنا؟ أينَ أمي؟ وأين المكان؟!
شدّني بذراعيه لأنهضَ وأجلس حينما نظرتُ إليه خُيِّلَ لي ملاكاً لا يُرى بالعين وإنّما بالقلب! قال: اهدئي لا أريدُ منكِ شيئاً، سيكونُ كلُّ شيءٍ على ما يُرام
أينَ أنا؟ من أنتَ؟ وأجهشتُ بالبكاء بكاءً لا إراديّاً غطّيتُ وجهي بيديَّ والأسئلةُ تنهشُ من رأسي دماءً وخلايا، عاودَ تكرارَ اهدئي بابتسامةٍ تُطفئ حريقَ القلب ببهجتها، أنتِ حواءُ وأنا آدم؛ طبيبُكِ منذُ خمسةَ عشرَ يوماً
ذُعرتُ لذكرِ خمسةَ عشرَ يوماً ولم ألقِ بالاً كيف عرفَ اسمي قلتُ بتعجُّبٍ غريبٍ طغى على ملامحي التي بهتت: منذُ خمسةَ عشرَ يوماً وأنا هنا!؟
كنتِ ملقيَّةً على الأرضِ تصارعينَ أنفاسَكِ الأخيرة وسطَ مجزرةٍ ملأتها جموعُ المُختنقين في بلادِكم، لربّما أتيتِ متأخرةً على المكان دونَ علمٍ مُسبَقٍ بأنَّ غازاتٍ كيماويَّةٍ كالسَّارينِ وغيرِها تقتحمُ المكانَ ودخلتِ دونَ إذنٍ من الحرب حتى فوجئت بجموعٍ من أهلِ بلادِك مصفوفةً في نسقٍ واحدٍ جميعُهم كانوا قد فقدوا أنفاسَهم في أولى لحظاتِ غزوِ الكيماوي لهم! كنتِ الناجيةَ الوحيدة التي أسعفتها اللحظاتُ إليَّ لأعيدَ شيئاً من أنفاسِكِ في مكانٍ غريبٍ لم يقطنه أحدٌ من قبلي ولم أُسعفْ به أحداً مريضاً من قبلِك ولأنَّكِ كنتِ مصدومةً جدَّاً أُصبْتِ بنوباتِ هَلعٍ في أيامكِ الفائتة وتراجعَت قواكِ كثيرا وكدْتِ تدخلينَ تابوتَ الموتِ باختناقٍ حادٍّ كادَ أن يستولي عليكِ لولا مقاومةُ آخرِ رمقٍ حيٍّ فيكِ،
وأمي!؟ أين بقيت يا آدم؟
صعدَت للسماء على كفِّ مَلَكٍ أحاطها بجناحيه وزرعَ على وجهها ابتسامةَ خلودٍ وكأنَّها دليلُ اطمئنانٍ ورضاً عليكِ!
غرغرَتْ عينيَّ دموعاً فلا طاقةَ لي بكتمانِ دموعي في حضورِ ذِكرِ أمّي إنَّها الحربُ يا آدم سلبتني أمي سلبتني، كلَّ شيء،
مسحتَ دموعي بمنديلِ رأفةٍ من صميمِ قلبك وقلتَ: أكونُ شيئاً من أمِّك إن أردتِ بقاءَكِ قربي!
طلبتُ أن أخرج، أن أرى الشمس، ألا تزالُ تسطعُ في غيرِ سماءِ بلادي ؟!؛ أريدُ أن أرى الحياةَ يا آدم! أن أتصادمَ معها وجهاً لوجهٍ وأن أُعاتبَها عتاباً ثقيلاً لا خفيفاً على تركِها إيايَّ وحدي أصارعُ نفسي وغيابَ أمي وموتَ أبي وفراقَ قريتي ودمارَ الحرب واقتلاعَ كلِّ شيء! لم تردَّ طلبي خرجنا سويّاً تُعَرِّفني على المكان كانت الحربُ على صِلةٍ به أيضاً ولكنَّ صلتُها كانت أخفُّ وأبعدُ من صِلتها بقريتي، قلتَ: أنا غريبٌ هنا أيضاً (نازحٌ) كما يقولونَ يا حواء؛ الحربُ لا تعرفُ عهداً ولا تُبقي وصالاً وهي مُشتقَّةٌ من جحيمِ الموت وعناءِ الغربة.
كنتَ بطريقتِكَ تلك تحاولُ أن تُرَبِّتَ على قلبي وتُخَفِّفَ عليه من وطأةِ فراقِ البلاد، وها نحنُ ذا غريبينِ في بلدٍ غريبةٍ جمعتْنا بطريقةٍ أكثرَ غرابةً أيضاً لتكونَ طبيبي وأكونَ مرضيتك !، عانقنا الغربةَ فينا وكنَّا ملاذينِ نمشي على قدمين كانَ لقاؤُنا هذا بالنسبةِ لي بمثابةِ لقائنا الأوّل كنتَ أنتَ منتصراً بظَفَرِكَ بحرّيةِ النظرِ إليّ دونَ أن أرى هزيمتَك! فقد كانَ لقاؤُكَ الأوّل بي في منزلِكَ تحتَ وطأةِ الغيبوبة ولذا لربَّما نظرتَ إليَّ حتى فضتُ من عينيكَ ولم أرَ هزيمتَكَ بعيني وحدَكَ أدركتَ هزيمتي بعينِك!، بعدَ شفائي تحتَ يديكَ كنتَ تذهبُ لعملِكَ في المشفى كطبيبٍ تنقذُ ما استطعت من حياةَ المرضى وضحايا الحرب، تعهَّدتَ بي إلى جارتِكَ أمِّ خالد حينما لا تكونُ موجوداً أَبيتُ عندها ونتبادلُ الحكايات وتغمرني بحنانٍ كي لا أشعرَ بنقصٍ قط. في إحدى لياليكَ كنتَ جالساً معَ الليلِ عاقداً اتفاقاً معه أن تكونَ بدرَه، كنتَ تفيضُ حكمةً وصمتاً تتفكَّرُ في فخاخِ الكونِ المخفيَّةِ خلفَ سواترِ الأشياءِ المرئية، المنسدلة تجاوزتَ الخمسينَ بحكمتِكَ والعشرينَ بوسامتِكَ وبرزت سنينُ عمرِكَ الثلاثينَ قاهرةً على كلِّ جمالٍ وحكمة كان الليلُ يستمدُّ ماهيَّتَهُ من لمعانِ شعرِكَ حتى نظرتَ إليَّ وقذفت عيناكَ في منتصفِ قلبي سهماً لم يتكبَّد حتى عناءَ محاولةِ التسديد! كنتَ حيراناً ومع هذا لا يعرفُ الضعفُ إليكَ سبيلاً أرى صمودَكَ على الدهرِ مُعجزةً جليلةً وهي ما تُبقي صِلَتي بقوايَ حتى تظلَّ على العهد، اقتربتُ منكَ رحَّبتَ بي بصمتِ ابتسامتِكَ التي تُظهِرُ ابتسامةَ الحبِّ في عينيَّ رغماً عني!
مساءك إبرامُ عهودٍ، لمَ لمْ تُشهِدني على وثيقةِ الاتفاقِ آدم؟ أوَ ليسَ لِكُلِّ اتفاقٍ شهود!؟
مساءك ألغازٌ ومفاتن، أيَّ شهودٍ حوّاء؟ وأيَّ اتفاق!؟
اتفاقُكَ معَ الليلِ ومضمونُ الوثيقةِ بالسَّفر!
السَّفر!؟ أتهذينَ يا بنيَّةَ الخُصُلاتِ؟ أأتركُ عينيكِ بلا عينيَّ غارقةً في ظلامِ الليل تحتَ سقفِ الغربة؟!
ضحكتُ وغمَزتُكَ بدُعابة؛ سفرُكَ للسّماءِ آدم!، لا تُخفي عليَّ سمعتُ الليلَ يتذلَّلُ لعينيكَ طالباً منكَ الصعودَ لتجلسَ على كرسيِّهِ قمراً !،
ضحكتَ من صميمِ قلبك، بدَّدْتَ غلافَ الحيرةِ بضحكتك و نظرتَ إليَّ بحبٍّ جمّ تجاوزَ حدودَ صمتك و طغى على غضبِ قلبِك تاركاً إياكَ في شغافِ قلبي تسمعُ أنينَ حبِّه نبضةً نبضة و تحتفي بهدوئه من ضجيجِ الحرب و إرهاقِ العمل تحدَّثنا بلهجةٍ عاميّةٍ خلَّدتُها في فصحةِ الحب ، قلتَ لي : غنّي لي !
قلبك حيران ماذا أغنّي له حتى أهديه !
غنّي لي لماجد، أحبُ غناهُ و أحبُ صوتك !
اخترتُ أغنية *أوقّعلك عقد للموت* ورحتُ أغرق في عينيكَ وظلمةُ الليلِ تُخفي عنكَ هزيمةَ قلبي فيك وتمسكُ بصوتي تضمُّه لروحكَ ترياقاً تستطيبُ به وأشرعُ في الغناءِ لعينيكَ: *أوقّعلك عقد للموت*، *أَظلّ ويّاك صورة وصوت*، *حدّ ما يشيلني التابوت*، *أظلّ يمّك
أعوف الدنيا وال بيها*، *ولأجلك ناسي ألغيها وإلك هالروح أهديها وأظلّ يمّك هو أنتَ اللي يحبّك همّ يعوفك*، *أبد ما عندو عين ال ما يشوفك، وإذا تبعد عنّي أحضن طيوفَك وأظل يمّك*
*بالدّم أني أبصملك* ، *أحبّك أبقى ما أمِلَّكْ، تظلّْ خلِّي وظلّ خلَّك، ولا عوفَك*.
نمتُ على يديكَ وقتَها كانت أجملُ ليلةٍ جمعت حبَّنا على عفويّته إلى أن جاءَ اليوم الذي طغى فيه الفراقُ يا آدم ودخلتِ الحربُ بيننا رغماً عنّا! اختطفتْكَ الحربُ منّي أيضاً وأنتَ ذاهبٌ لإسعافِ مُصابيها أنتَ الذي تحدّيتُ الحربَ والحياةَ فيكَ أن لن أفقدك وعاهدتُ أغاني ماجدَ الذي تحبّ أن أبقى معك، عانقتُ جثمانك وشظايا القذائفِ لم تدع في جسدِكَ موضعاً متماسكاً للتقبيل؛ بكيتُ، احترقتُ ومتُّ على جسدِكَ الحيِّ في قلبي، صرختُ في أذنيكَ؛ *آدم* لكن لم تسمعني
، كنتَ هادئاً وأنا التي صُعِقت، كنتَ بارداً وأنا التي انصهرت، تحرَّرتَ من الحزنِ وأنا استعبدتني قيودك! لم ترَ أنتَ الدماءَ وانا غرقتُ بها، صافحتَ أنتَ الترابَ وأنا صفعني الموت، عانقتَ السّلامَ وأنا انتهكني الفقد!، انتميتَ للخلود وأنا ضاقت عليَّ الأرض!! أنتَ كنتَ قد نجوتَ وأنا التي رقدْتُ!
اختنقتُ بحياتي، بغرابةِ المشهدِ الذي فرَّقَ بيننا وغرابةَ الموقفِ الذي جمعَ بيننا وما بين اجتماعِنا وفراقِنا تسلَّلتِ الحربُ لقلبينا يا آدم تحطّمتُ وتركتَني جثَّةً هامدة، بعدَكَ لم أعد أسيرةً للغيبوبة فقط يا آدم! بعدَكَ بتُّ أسيرةَ الغيبوبة ونوباتِ الهَلَع وسكاكينِ الفقدِ وشهقاتِ الاشتياق وتنهُّداتِ الموتِ وضحيةَّ الحربِ ومُثخنَةَ الحبّ!
كلّما لاحت على أذنيَّ أغنيةُ ماجد أعتصرُ دماً حتى تجفَّ عروقي نحيباً وأعاتبُ نفسي حتى في آخرِ أنفاسي التي تزهقُ بغيابك، كلَّما قال ماجد: *حدّ ما يشيلني التابوت أظلّ يمَّك* أبكيكَ عتاباً: لا شالني التابوت ولا بقيت يمَّهُ!

0 تعليقات