هديل الميدنه | خُطوات




تلامس خدها النقي قطراتِ سحابةٍ بيضاء تراها على قرب مترٍ منها ويراها الداني تغوص بينهم وكأنها شقيقة الندى محتضنينها بكل حُبٍّ وسلام..

وعصفورٍ يتبختر من غصنٍ لآخر متباهٍ بصوته الرنان وما أخذ لبّها حقًا بسمة عجوز بأسنانه التي يغلب عليها عدم الوجود، يدندن بأغنيةِ زمنه الجميل وكأنه يغازلها وهي التي لا يعرف زمانها سوى أغاني المهرجانات، لذا خطف قلبها وهي التي تهوى أغنيات الزمن الجميل المعدة قصائد غزلٍ عفيف لها وزنها وبحرها وإيقاعها الشيّق..


تمادت بخطواتها الرشيقة ليستولي على كيانها رائحة كرائحة الجنة، رائحة لها طعم خاص جلبت أجلّ الذكريات على قلبها، وتلك الخصوصية تتجلي عند فلافل أبو السعيد حين نهرع بجوعنا ورؤسنا الممتلئة عن آخرها بمعلومات زخمة إلى مقعده الخلفي لنتوارى عن العابرين وضحكاتنا تسترها أيدينا الصغيرة الراقدة على أفواهٍ مفتوحة لكمّ السعادة والفرح أمام صحبةٍ لا تعوضها الأيام..

سرق سمعها أصوات رجالٍ مبعثرة، هنا وهناك من جانبها مرّ (تكتوك) يقيل بضعة عمال وسائقٌ همام؛ سمِعتْ آخرهم يلعنُ الفقرَ وأهله ويشتمُ الصباح لمجيئه وهو على نفس الحال قالت في نفسها أتُراه يعيل تسعة أطفال وهو في سن التاسعة بعد الثلاثون يفترشون أرض غرفةٍ واحدة من ( الاسبست) يلملمون أجزاءهم حول مائدة العشاء؛ فهم لا يعرفون لمّة أخرى غيرها طيلة اليوم حول تلك المائدة. يا للعدد تسعة كم هو ملعونٌ في حياتِنا نحن الفلسطنيون؛ نحن الذين تربينا على قصائد محمود درويش ألم يلعنه بطريقة خفية حين قال وتاسعهم سيأتي بعد صيف، أترى لأنه نهاية الأعداد دائما مهما كثرت خاناتها، أم لأني أمقت النهايات؛ أحب أكتبها بنفسي لا لأحدٍ يجبرني عليها.

ومن أمامها رأت جنودٌ يتلحفهم اللون الأخضر وآخرين يكسوهم اللون الكحلي يتوشحه لون السلام، وثلةً قليلة من حيّها يزينهم ثوب الكشافة المرصع على الجانب الأيمن بعلمِ فلسطين .

وآخرين تكره لباسهم المخطط بالأسود والأبيض وكأنّهم انتقوا تلك الألوان ليذكروها كل صباح -وكأنها تنسى - ببياضِ أكذوبة يدعون إليها وهي السلام والاتفاقيات والمعاهدات؛ وعلى النقيض بنفسِ الصورة يذكرونها بسوادِ ماضيها وسواد عيشها وسواد الاحتلال النتن الذي تعيشه في حاضرها.

وجّهت نظرها تجاه طفلة تعدو بسرعة، استوقفتها لتعدّل من حقيبتها المدرسية تغلق (سحابها) فشكرتها الطفلة متأففة
- فقالت لها: على رسلك لا بأس بالوقت المتبقي
نظرت إليها شذرًا وردت عليها

- لا وقت لدي حتمًا سأضرب اليوم الأحد (النوبة) عليّ


أكملت كلماتها وهي تركض، أما هي فازادت بسمتها ضياءً؛ وعلى يمنيها تحولت بسمتها الشقية لبسمة راحة وحياة ونورًا وأمانًا حين اخترق صوت غسان الشوربجي مسامعها وأكملت خطواتها إلى حيث ما تريد ..



هديل سُفيان الميدنه
فلسطين- غزّة


إرسال تعليق

0 تعليقات