محمود الحسن | مابعد الفراق





-في الثامنِ عشرَ من أكتوبر، جلستُ على ضفَّةِ بردى والساعة كانت قد تجاوزت الثانيةَ عشرَة، غمستُ قدميَّ بالماءِ، كانَ البدرُ، يفقدُ حجمَهُ تدريجياً، وقد كستهُ حُمرةٌ مثيرةٌ، وبدا لي ضاحكاً بين أغصانِ شجرةِ التفاحِ القاطنة على يميني، ذاتِ الجذعِ الكبير، والأغصان الكُبرى، التي تعانق أغصانَ شجرةِ المشمشِ على يساري، بدأتُ ارتشف النسمات القادمة من الشرق، وكانت كفراقِكِ باردةً جدًا،وكانت المياهُ كقلبي ، كأنها قطعًا من الثلج، السماءُ كانت صافية، وكانتِ النجوم تنتشرُ حولَ القمر وكأنها خدمٌ لهُ، كانَ الموقف يحتاجُ إلى الحزنِ ولا سيما أنَّ الناسَ جميعهَم قد رقدوا قُربَ المدافئ وتركوا المكانَ للأشباحِ، فتحتُ هاتفي، لأقرأ للمرة التاسعة والخمسين رسائلكِ الأخيرة، كانت أشبه بالاعتذار، مع أنَّكِ لستِ المذنبة، ورسائلي أيضاً كانتْ اعتذاراً صريحًا، ولستُ المذنبَ أيضاً،بدأت دمعاتي تهطلُ برفقٍ كبير حوَّلَت برودةَ خديَّ إلى جمرةٍ ملتهبةٍ، وسقطتْ تلكَ الدموعُ على شاشةِ الهاتف، وكأنَّها تهطِلُ من أحرفِ الرسائلِ المؤلمةِ، بدأتُ أعودُ بالرسائل، حتى وصلتُ إلى الرسالةِ الأولى،كانت من قِبلكِ تقول:"" لكم طالَ الغياب هذا اليوم؟! اشتقتكَ، هل لنا أن نروي أرواحنَا بلقاءٍ قريبٍ""
عدتُ بذاكرتي لذلكَ اليوم، وتذكرت كيفَ أتيتُكِ أُهرول، إلى هذا المكان بذاتهِ، مخلِّفًا ورائي الامتحان الذي سهرتُ ليلةً بأكملها لأجلهِ، وتذكَّرتُ أيضاً كيفَ شعرتِ بالغضب عندما علمتِ بالأمر.
كانت الرسالة الثانية رداً للأولى تقول "سآتي إليكِ والشوقُ يسبقني، والنهرُ يشتاقُنا"
ثمَّ تتابعتِ الرسائل، ووصلتُ إلى الرسالة الأخيرة مروراً بستمائةٍ واثنينِ وأربعينَ رسالة، التي تقول" عزيزتي يؤسفني حقًا أن أقول أنّه واجبٌ علينا أن نبتعد، ويضربُنا كفُّ الفراقِ، وبدأتُ أسردُ الأسبابَ اللعينةِ، وأشتمُها سببًا سببًا، كانَ التجاهل سلاحكِ الفتَّاك، ثلاثُ مكالماتِ بعدَ المئة في ساعةٍ واحدة،وتجاهلكِ مستمر، علمتُ ماذا فكَّرتِ حينها وأنكِ ظننتها خيانة، وجئتُ إلى هنا، وصعدتُ لأعلى شجرةِ التفاحِ، انتظرُكِ، وعلى يقينٍ أنَّكُ ستأتي، كانتْ دموعُكِ تتسللُ إلى قلبي وتحدثُ به حفراً من الألم، لم أستطع أن أمسحها كالعادة، بقيتُ بأعلى الشجرة أبكي أيضاً إلى أن ذهبتِ، وبدأتُ أصارعُ الخيبات وأظنَّها قاتلتي.
أرجوكِ اصفحي.!
اعتذرُ لك عن الحياةِ والواقعِ والظروفِ.!


إرسال تعليق

0 تعليقات