كتاب ( العلم والحياة ) للدكتور مصطفى مشرفة
في هذه السلسلة من المقالات سنقوم برحلات في رحاب الكتب و نستمتع بجمال الفكر الإنساني و نری
كيف يمكن أن نستفيد منه في تحسين أنفسنا و بلادنا، و حيث أن بداية حديثنا كانت عن العلم ، فليس أفضل من كتاب عالمنا المصرى الغذ " الدكتور علي مصطفى مشرفة" : "العلم و الحياة".لنبدأ بالعنوان: العلم و الحياة، و هو إختيار موفق للغاية
إذ يدل على إتصال العلم بجميع مناحي الحياة، و هذا يتضح جليا من فصول الكتاب: العلم و السياسة العلم و الصناعة، العلم و المال، العلم والأمم العربية ، العلم والشباب العلم و الدين، العلم و الأخلاق، و ينتهي الكتاب بفصل شامل هو
العلم و الحياة . مثلاً في فصل السياسة نجد مقتطفات و شرح لبعض فقرات كتاب "الجمهورية" لأفلاطون، حيث يناقش الكتاب المكتوب على هيئة حوار بين سقراط و أصحابه ( مفهوم العدالة و نظم الحكم) ،و يأخذ الدكتور مشرفة الخيط
من هنا و يلفت نظرنا أن مؤلف كتاب الجمهورية هو نفسه مؤسس مجمع العلوم و يتسائل في نهاية الباب "أليس من واجب السياسة وهي التي تسعى لخير البشر
وإسعادهم أن تتعاون مع العلم على تسخير القوى الخدمة الإنسانية ورفاهيتها؟" ...
سؤال مهم !
أما باب العلم و الصناعة فهو منطقى في تحليله فالصناعة قائمة على التكنولوجيا و التي هي تطبيق للنظريات العلمية، و يهيب الدكتور مشرفة بكل شركة أو مصنع أن يكون لها معمل للبحث العلمي، على الأقل الشركات الكبرى، و نحن هنا نكرر ما
طلبه الدكتور منذ أكثر من نصف قرن، فهل من مجيب؟
قد تبدو العلاقة بين العلم و المال غريبة إلى حد ما، فنحن عندما نريد أن نمدح أنه لا يهتم بالمال! فماذا إذا؟ العلاقة هنا يثيرها عالمنا العظيم بسؤال:
ماذا يصنع الأثرياء بأموالهم؟ طبعا بعض المال يستخدمونه في المعيشة ويدخرون البعض الآخر لفترات الشدة، و لكن ماذا أيضًا؟
يقول الدكتور مشرفة " العلم أساس التقدم في كل ميدان وهو حجر الزاوية في تنظيمها، وحسن إدارتها، بل إن العلم ليخلق المال خلقًا، وينشئه إنشاًء "
فتنظيم و إدارة المال علم ليس يقتصر فقط على علم الاقتصاد و علوم الإدارة.
ينتهی هذا الباب بجملة أخرى أن تكتب بماء الذهب على مدخل كل شركة أو مصنع:
"المال إذا اقترن بالعلم سقا بصاحبه إلى سماء الواجب، وأحاط بقدسية الضمير،وتحولت حريته في استخدامه من حرية الجاهل إلى حرية العالم، وشتان بين جاهل وعالم .
کی یقرن صاحب المال ثروته بالعلم يجب أن يستخدم سلاحا آخر: الأخلاق نحن نعيش في القرن الواحد والعشرين في عالم تحكمه المصالح و توازنات قوی و منطق براجماتي لا يؤمن إلا بحسابات الربح و الخسارة و يستخدم العلم فقط ،
في تحقيق هذه المآرب لذلك دعنا نقفز عدة أبواب من هذا الكتب لنصل إلى باب العلم والأخلاق، ما العلاقة بينهما؟
يستشهد الدكتور مشرفة بمقولة أرسطو (( أن أعلى مراتب السعادة الإنسانية هي السعادة التي تنشأ عن الحياة العقلية؛ لأن العقل هو الذي يميز الإنسان على غيره من الكائنات فرأس الفضائل هو الحكمة بعد الحكمة ))
يضع أرسطو الفضائل الأخلاقية مثل : الشجاعة والعدل، و يقول الدكتور مشرفة "والسعادة الإنسانية التي يتكلم عنها أرسطو طاليس ليست هي التمتع، ولا اللذة فهي لا تقوم على الشهوة، ولا على الشهية؛ لأن الشهوة والشهية من صفات البهائم، أما سعادة الإنسان فتسمو فوق التمتع، وتعلو على اللذة بقدر مايسمو الإنسان، ويعلو على البهائم والسعادة بهذا المعنى الرفيع هي الخير في أعلى مراتبه، وهيا لغرض من حياة البشر
والفضائل الإنسانية إنما تقاس بنسبتها إلى هذا الغرض الأسمى، وعلم الأخلاق هوالبحث في الفضائل، والمقارنة بينهما، وتسبتها إلى خير البشر وسعادتهم ." .
لذلك نحتاج إلى العلم كيف نفهم الأخلاق و نفهم الدافع منها و بذلك يسهل التخلق بها و الوقوف في وجه هذا العصر المادي البراجماتي ، ولكنك قد تتسائل: أوليست الأخلاق من أوامر الدين؟ و يكفينا الإيمان کی نقف في وجه المصاعب ؟
قبل أن نقفز إلى باب العلم و الدين أحب أن أذكرك بمقولة الدكتور مصطفى محمود: "لن تكون متدينا إلا بالعلم، فالله لايعبد بجهل" .
الدين يشجع على طلب العلم و لن نعيد هنا مئات الأدلة التي يسوقها الكثير من الناس على ذلك ، و الدين يأمر باستخدام الحواس، و الدين يترك العقل حراً في تفسير الظواهر التي يجدها باستخدام الحواس ) أوباستخدام الآلات التي تتعدى
الحواس البشرية العادية، مثل الميكروسكوبات و التليسكوبات، إلخ )......
و لكن هناك أمور تخرج عن دائرة المشاهدات العلمية مثل حب الخير وكره الشر، هنا يتصل العلم بالدين فالعالم هو باحث عن الحق و هي قيمة روحية، و لكن العلم أداة و استخدام هذه الأداة يخضع للكثير من القيم الروحية العقيدة هي ما تساعد على استخدام العلم الاستخدام الأمثل و تعطى العالم القدرة
النفسية على المثابرة، فطلب العلم ليس سهلاً!
ننتقل الآن إلى سلاح الأمم الاستراتيجي: الشباب في باب العلم و الشباب يشجع الدكتور مشرفة الشباب على التعلم )
راجع بداية المقال لترى بنفسك التجرية الشخصية لكاتب هذه السطور في الشباب للعلم و لكن في الوقت ذاته من الصعب جداً أن نقول لأي شاب أو شابة أن يدير وجهه للعالم و لا يسعى لكسب، ما يطالب بها الدكتور الشباب هو أن يقيس قيم الحياة
قياسا صحيخا، فالمال يجب أن يكون وسيلة لا غاية، والمال وسيلة إلى العلم وإلى إنهاض الصناعة، وإلى رفع مستوى المعيشة، تستطيع الأن أن تحصل على المال عن طريق العلم: بالإختراعات و بالتدريس و بالتأليف إلخ، و لكن جزء من
هذا المال يجب أن يوجه لعلمك قراءة أبحاث جديدة، السفر لمؤتمرات، الحصول على أجهزة علمية وما إلى ذلك ،،، إذا لم تعمل ذلك و توقفت عن التعلم فستصبح جاهلًا أيا كانت شهاداتك ،العلم يتقدم و ما تعرفه اليوم سيكون قديما أو خطاً غداً !
إن كتاب العلم و الحياة كتاب قيم جداً حتى و إن مر على تأليفه ما يزيد عن النصف قرن، إدرس تجارب الأمم و ستجد أن أهم سلاح هو العلم و هو الذي يمهد البقية الأسلحة
قد تقول أن الاقتصاد أولى، عظيم و هل الاقتصاد ليس بعلم؟ راجع باب العلم و المال.
بقيت نقطة أخيرة عامة، ماذا بعد أن تقرأ الكتاب ؟ قابلت في حياتي الكثير من الناس الذين يقرأون بشغف وبهمة عالية و يمكن أن يستحضروا ما كتب عن موضوع ما في عدة كتب من ذاكراتهم، ولكن ماذا بعد؟ أتريد أن تعرف بالمثقف وكفى ؟ ما قرأته هو معلومات يجب أن تحولها إلى معرفة، تحويلها إلى معرفة يستلزم الإجابة على سؤال مهم: كيف يمكن أن أطور أفكاری و طريقة تعاملي مع
العالم و معتقداتی بعد قراءة هذا الكتاب؟ إكتب ذلك في مفكرة خاصة بك، إكتب ذلك بعد قراءة أي كتاب علمي أو أدبي، و إقرأ ما كتبته لعدة أسابيع، و فكر مرة
أخرى و إكتب تعديلات، و هكذا ستتطور خربطتك المعرفية، و عن طريق مشاهدة تعاملك مع الناس ستتطور هذه المعرفة إلى حكمة، هذا رأيي وقد يكون صحيحا أو خطاً و هذا مطروح للمناقشة، فالعلم بالتعلم و التعلم نشاط انسانی جماعي.
ومن أصعب الأمور على العالم أن يقنع الجاهل بقيمة العلم ، كما أن من أصعب الأمور على قواد الفكر في أمة جاهلة أن يقودوا الرأي العام فيها إلى الاهتمام بالعلم .. د. علي مصطفى مشرفة

0 تعليقات