الرابعةُ فجرًا إلا عشرينَ دقيقةً، أجلسُ أمامَ البحرِ المخيفِ، وقدْ تحوَّلَ اللطفُ الذي كان نهارًا إلى غضبٍ شديدٍ، وكأنَّهُ قد أصبح وحشاً فتَّاكًا، أجلسُ وحدي متمدّّدًاً على رملِهِ الأصفرِ، الذي أمسى باردًا بعدَ حرارةٍ ملتهبةٍ كان يبثها نهارًا، أمواجٌ بيضاءُ تلمعُ بينَ السوادِ العظيمِ قادمةٌ إليَّ، ترشِقُ قدميَّ برفقٍ شديد، لا يتناسبُ مع شدةِ البحرِ، فكأنَّها شعرتْ بهمِّ شديد أصابَ خافقي، فأرادت ملاطفتي،و على جانبيَّ قاربانِ صغيران، متجهان إلى البحر، يقفانِ بتعبٍ شديدٍ كالذي أصابَ قلبي، لينتظرا معركةَ الصباحِ المشؤومةِ، والصخرةُ التي تفصلني عن البحر، مازالت صامدةً على وهنٍ شديدٍ بعدَ أن أكلَ الماءُ جلَّ أركانِها، كانَ الهلالُ يُعلنُ عن شهرٍ جديدٍ، وضوءُهُ يعطي انعكاساً خلاباً على سطحِ البحرِِ الحالكِ، تلمعُ منه عيناي،أمسكتُ بوردةٍ صغيرة متعلقةٍ بعودٍ متين، قد ألقاها عاشقانِ بعد خلافٍ دبَّ بينهما، أوصلهما إلى الفراق، فلم أجد شيئاً أتعسُ منه؛ا لأكتب بها خيباتي.
بدأتُ بالكتابةِ، وقدْ ملأتُ ما بينَ القاربين بالخيبات، وكانَ الهلالُ يقرأ في البدايةِ، لكنَّهُ لم يدم طويلاً واختبأ بينَ السحب، فكأنَّ لهُ قلباً رقيقـًا، لم يمكنه من قراءةِ ما أكتبُ، نظرتُ إلى الشاطئ من حولي لم أجد أحدًا، وبدأتُ أصرخُ بصوتٍ عالٍ: " أيُّها البحر، أوجدتَ أحداً أكثرَ مني خيبةً؟!
أوحملَ شاطِئكَ أشدَّ مني تعاسةً؟"
لم يطل سكوتهُ، حتى أتتني موجةٌ من أقصاهِ مرعبةٌ وكأنها تحملُ عصاً من خيزران، وصفعتني بقوة، حتى دفعتني عن الشاطئِ لعدةِ أمتارٍ، َوجرفتْ ما كتبتُ من الخيباتِ، استيقظتُ صباحاً على صوتِ أحد المحسنين، الذي ظنّني مشرداً، لا بيتَ لي، نظرتُ إليه نظرةَ اعتزاز، التي تُنظر إلى الرجال، وهم قلَّة، وقلتُ له:
"ياعم مشَّردُ القلبِ تائهٌ لا مكانٌ يأويه، ولا منزلٌ يتسعُ له، ونفضتُ الرمال العالقة على ثيابي، كما علقت الخيبات في قلبي، وغادرتُ المكان، بهدوءٍ مفتعلٍ، ودمعةٍ غائصةٍ".

0 تعليقات