الذنب العميق



حل يوم أخر ,الشمس ساطعة والجو بارد، فراغٌ يغلفه عزف التشيلو مع البيانو، وشجرةٌ التوت يصفعها الهواء، وبحكم أنهُ فصل الخريف؛ فأوراقها هشةٌ لا حول لها ولا قوة أمامه، فالشارعُ خالٍ وهادئْ ولأول مرةٍ، كأنها قريةٌ ريفيةٌ مهجورة..!
 وكالعادة أجلس ألقي بنظري على القرية المجاورة ويأخذني تفكيري إلى عالمي الآخر الذي يصبح لي فيه السلطة الأكبر على تسيير الأمور إلى ما أُحب وأرضى.

- أذكر أنه أُرسل إليَّ رسالة نصها قصير : " ذنبك ﺃﻧﻚ ﻋﻤﻴقٌ، ﻋﻤﻴﻖٌ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﻄﻔﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻄﺤﻴﺔ، ﻋﻤﻴﻖٌ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻳﻨﻈﺮ ﻟﻸﻣﻮﺭ ﺑﻨﻈﺮﺓ ﻋﺎﺑﺮﺓ ﻭﺃﻧﺖ ﺗﺬﻭﺏ ﻓﻲ التفاصيل ".

- إنه من الصعب أن تكون شخصاً كثير الدقة، وتهمك صغائر التفاصيل، شخصٌ لا يحرق القش ولا يعبث به للبحث عن الإبرة، بل شخصٌ يُمسك قشةً تلو قشة في سبيل إيجادها.

كأنك تذاكر لاختبارٍ مصيريّ، بطريقة الكلام وتحريك الشفاه ونظرة العينين، وحركة اليدين، وسرعة الشهيق والزفير وإمالة الرأس، ووضعية الرجلين، وطريقة نطق الكلام، والغوص في كل حرف يخرج من الفم.

إنك تنظر وتحفظ كل الوجوه التي تراها خلال يومك لعلك تلمحُ غائباً حالت بينكم الأيام، وتترقب أحداث يومك كمن يتربص لفريسة، تكون مستعداً للالتهامها حين تضع رأسك الثقيل على وسادتك ليلاً، مستيقظاً باحثاً عن فرائس أخرى في غابةِ الغد.

تعدى الأمر كونه طبيعياً إلى ما أشبه بالوسواس القهريّ، يغمرك التكرار الجبري، وتُصبح عبدَ فِكرك المتسلط.

لا أدري إن كان من سعدِ حظك  أن تحظى بشخصٍ كهذا.. ! أو لعنة أكبر مما هو حظ، لكن كُن مستعداً لتُنَقبُ تفاصيلك حباً واهتماماً بأنانيةٍ وأكثر سلطةً.


بقلم ايناس سعدون

أزرق - العدد الثاني 

إرسال تعليق

1 تعليقات