عجز الكلمات عن الحديث بمثل هذه الشخصية. فاتحٌ مثله، طاعته وعبادته وأخلاقه، نظرته لكل شيء نظرة قرآنية، وحرصه على نشر العدل وشدته على الحق. هو الذي قال عنه الرسول -صل الله عليه وسلم- ( اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب ) فعمر، هو من اختاره الله ليعزه بالإسلام، وليعز الإسلام به.
عجزٌ وضعفٌ أصاب أمتنا، ضياعٌ في حاضرنا وفشلٌ في ماضينا، ومستقبل مجهول ينتظرنا. فأين أنتَ يا عمر ..! ومن هو عمر..؟!
عمر هو الشخص الذي شاهد كل شيءٍ بالقرآن، أضحى تفكيره تفكيرًا قرآني، غيَّر، وطور، ونجح حتى أصبح أعظم خليفة. ويأتي السؤال هنا ماذا فعل عمر ليحظى بهذه الرتبة من علمٍ وعملٍ ونجاح..؟!
فـ ( عن أنس أنه قال: قال عمر: وافقت الله في ثلاث، قلت: يا رسول الله، لو اتخذتَ مقام إبراهيم مصلى. وقلت: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب. فأنزل الله آية الحجاب، وبلغني معاتبة النبي صلَّ الله عليه وسلم بعضَ نسائه، فدخلت عليهن فقلت: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله صلى الله عليه وسلم خيرا منكن. فأنزل الله تعالى {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات} الآية. لعل هذا الحديث مبهم لغاليبتكم فسأتحدث عنه، وأفصله بكل حرف وكلمة؛ لأصل لجوهر الموضوع وصلب الفكرة، علَّنا نصل لتفكير عمر..! أو نجد تأثيره فينا..! لنسترده بأفعالنا بعد أن تهنا وضاع الرجاء فينا.
أول موافقة "وأتخذ من مقام إبراهيم مصلى"
هنا عمر بتفكيره وبولادته الجديدة، يريد تكريسًا علميًا شعائريًا لهذه المعرفة، تربى بين تاريخ سيدنا إبراهيم، وبين الدعوة الجيدة وبين ترابطهم. فعندما ننظر لنشاهد تفكيره، أين وصل.. ؟إلى أيّ مدى رحل بعد حديثه مع النبي -صلَّ الله عليه وسلم-؟!، نزلت الآية تأكيدًا لكلام عمر -رضي الله عنه-. فرسولنا الكريم كان قادرًا على فعلِ وقول هذا، ولكن، الحكمة هنا هي أنَّ ولادة عمر الجديدة، "هي ولادة قرآنيَّة". فنرى غيرته وحفاظه على الأعراف، واهتمامه بمصلحة الأمة، وانقياده خلف الأسس الصحيحة وتفكيره بكل شيء.
الموافقة الثانية، كانت في مكان وزمان مختلفين، هنا سيدنا عمر يُظهر لنا ماذا يفعل بنا نظام التشغيل القرآني. فحرص على سيدات الرسول صلَّ الله عليه وسلم من طَرقِ أبوابهن لزيارة رسولنا الكريم من بلاد العالم أجمع. كان يشاهد ويراقب وهو غير مطمئن، نظامه الجديد يُشعره بأن هناك خطب يجب إيجاد حل..!
فقال عمر: ( يارسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يتحجبن..)، فنزلت آية الحجاب. فتأكيدٌ لِما سبق، نجد التغيير، أن نمحي كل ما في عقولنا ونبدأ من جديد بداية جديدة ببرمجة قرآنية، وأن يكن لدينا إرادة عمر، وصلابته، وفكره.
الموافقة الثالثة، يؤكد لنا بها أن النظام القرآني هو خير تفكير حصل ك التالي:
(وَبَلَغَنِي مُعَاتَبَةُ النَّبِيِّ -صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْضَ نِسَائِهِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِنَّ، قُلْتُ: إِنِ انْتَهَيْتُنَّ أَوْ لَيُبَدِّلَنَّ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا مِنْكُنَّ، حَتَّى أَتَت إِحْدَى نِسَائِهِ، قَالَتْ: يَا عُمَرُ، أَمَا فِي رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-َ مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ، حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ) الآيَةَ "
في النهاية، هناك ثلاثُ موافقاتً حصلت مع عمر، وهي التي أُخبرنا بها، هُناك ما لم نُخبرُ به، فهي لم تحصل عن عبث؛ بل لتخبرنا بأن أي شخص منا يستطيع أن يفعل نظام التشغيل القرآني، والفرصة متاحة لنا جميعاً دون استثناء، فالقرآن موجود، والسنة موجودة، وعقلنا مازال في ريعان طريقه، السباق أمامنا، فلا نحتاج سوا "لإرادة كإرادة عمر".
مصادر : كتاب أسترداد عمر
بقلم : رامي دعبول
أزرق - العدد الثاني
0 تعليقات