اللانداي



تنوعت فنون الشّعر منذ القدم وكثرت أشكاله وأغراضه وأوزانه، وقد سُمّي شعراً لأنّ العرب شعروا به وأحسوه،
لكن هناك نوع من أنواع الشعر يُسمى (اللانداي)  نادراً مايُسمع به.
واللانداي هو فن شعريّ شعبي، اقتصرت كتابته على النساء البشتونيات وباللغة البشتونية في أفغانستان،
كانت النساء تتداوله سرّاً فيما بينها وتعبر به عن بوح جريء لمشاعرها وهواجسها.
جمعه الشاعر الأفغاني سعيد بهو الدين مجروح، الذي اغتيل في أفغانستان عام ١٩٨٧، فقام الشاعر الفرنسي أندريه فيلتير بترجمتها إلى الفرنسية، ثمّ قرأها وترجمها إلى العربية جميل صلاح لكنها لم تكن ترجمة شعرية فقام الدكتور عبدالله شميس بترجمتها شعراً إلى العربية، أطلق عليها فيما بعد عنوان بوح المرأة الأفغانية.
مايميز هذا النوع من الشعر أنّه مختصر وموجز في سطرين شعريين فقط، تؤكد المرأة الأفغانية فيه على حضورها الفعّال والقوي في الارتجال والمنافسة،
كما توضح الأبيات نقداً لاذعاً للمجتمع الذكوريّ الذي لم يكن يرى في المرأة إلا سلعة أو متعة فقط.
توجد في هذا الفن ثلاث شخصيّات تدور حولهم الأشعار وهم:
المرأة أو الزوجة الّتي ترتجل الشعر،
الزوج الذي غالباً مايكون كريهاً للمرأة
والعشيق أو المحبوب الواقعي أو الخيالي والذي دائماً ماتتحدث عن شوقها وتوقها إليه..

_ بسري أذوي.. في الخفاءِ أنوحُ
أنا امرأة البشتون كيف أبوحُ؟!

_ ها أنت تبعث لي يارب ثانيةً
ليلاً كئيباً على أعتابه أقفُ
وها أنا وسرير النحس يرقبني
من أخمصيْ قدمي للرأس أرتجفُ

_ ألا تستحي يا شيخ من ثلج لحيتك
تداعب شعري وأنا في عمر ابنتك

_ قساةٌ.. قساة
ترون العجوز يجرّ خطاي إلى المضجعِ
وتستفهمون عن السرّ في أدمعي

_ ادنُ شيئاً.. ضاقت بيّ الأسباب
واحتضني فقد طواني العذابُ
أنا لبلابةٌ وحولي خريفٌ
ووشيكاً سيذبل اللبلابُ

_أحبُّ.. أحبُّ
ولا أخفي غرامي وآهاتي
ولو نزعت سكينهم كل شاماتي

_ غداً.. غداً
سوف أعبر في قريتي
سأرفع للشمس وجهي الحسير
وأنشر للريح شعري المشاع
غداً سوف يشبع كل الجياع

_ واحدٌ يتقطع شوقاً
إلى قطرةٍ من غديري
آخرٌ بجواري نعسانُ
يقذف بي من سريري

_ ها هو الديك يطلق لعنته ويصيح
فيغادرني عاشقي مثل طيرٍ جريح

_في الليل الشرفة معتمةٌ
وكثيراتٌ جداً سرر بنات الحيّ
لا تحزن ياروحي
وسواس حُليي سوف يدل عليّ

_حين تأتي إلينا ياحبيبي
يشيط القبيح علينا
وأخاف أنا غضبة القزم
فلا تأتنا بعدُ

_ما دمت غريراً في الحبّ ولست بهائم
فلماذا أيقظت فؤادي النائم!

_اغفُ إن شئت واشبع غداً من هباءٍ مُلاما
أنا مرصودةٌ للذين يبيتون لي رُكعاً وقياما
كن مريدَ أبي
فأبي هو شيخ الدعاةِ
سوف يعطيك موعظة المذهبِ
وأنا سوف أعطيك درس الحياةِ

_ محبوبي هندوسيٌّ
وأنا من دين محمد
لكني من أجل الحبّ
سوف أكنس درجات المعبد

نجد من خلال الأبيات أنّ شعر اللانداي لم يكن فقط ثورةً في وجه المجتمع الذكوري الّتي فرضتها طبيعة الحرب ربّما، أو بوحاً وجدت فيه المرأة الأفغانية أداةً وطريقةً واضحة للتعبير، وإنّما أيضاً المثير للاهتمام أنّه لا يوجد لانداي واحد يشير إلى حبّ الزوجة لزوجها أو وجود علاقة متكافئة بين طرفين.
هل برأيك استطاعت المرأة الأفغانية أن تنقل رسالتها إلى العالم من خلال هذا الفن المتداول سرّاً؟!
وهل برأيك يستحق اللانداي اهتماماً خاصاً كي يعتبر شعراً ينقل لنا هموم وأوجاع الآخرين..؟!

بقلم: رشا علي

أزرق - العدد الرابع

إرسال تعليق

6 تعليقات