إن المجتمع عبارة عن جماعة يعيشون مع بعضهم بعضًا، يتعاونون ويسعون بالوسائل الكثيرة؛ ليرتقوا بذواتهم وليصلوا إلى طور المجتمع السليم. ويمكن للإنسان أن يقول إن جميع محاولات المصلحين ورسالات الرسل والمفكرين الفلاسفة جاءت لكي تصل إلى تحديد المجتمع السليم الذي هو غاية الحركة في الإصلاح، ويعتبر هو الوالد الشرعي للإنسان السليم. فالمجتمعات السليمة تقوم على بناء الشخصية الإسلامية السوية على أساس الصدق، والأمانة والوفاء، وعلى الوطنية الصالحة والصادقة، هذه هي المبادئ التي تُبنَى عليها الشخصية الإسلامية، بعكس المجتمعات الغربية التي تُبنَى فيها الشخصية على أمور غير إسلامية (غير سويّة)، وللأسف حالياً في المجتمعات الإسلامية تبنى فيها الشخصية من خلال الرشوة والانحراف السلوكي ومن خلال ممارسات سيئة جدًا، فالشريعة الإسلامية ترفض كل هذا، بل إن العامل يجب أن يتقن عمله بكل أمانة، وذلك استدلالًا بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)؛ لذلك الشريعة الإسلامية لها دور في الحفاظ على الشخصية الوطنية.
فمن أسس نجاح المجتمع السليم أن يكون خاليًا من العداوة والحروب التي تهدم وتدمر المجتمعات، وأن يكون فيه المتعلمين سليمين من الجهل فلا يصح أن يبنى مجتمع على الجهل والتخلف.
وهناك عوامل عديدة تساهم في بناء مجتمع سليم متماسك، منها:
الأخلاق، الأخلاق بابها واسع والحديث عنها طويل، لكن لو تحدثنا فقط عن الصدق وحده، لو تحقق في الأمة لكان لها شأن عظيم، كما جاء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: [عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً]. متفق عليه
فالصدق مظهر من مظاهر الأخلاق، لا يمكن أن يستقيم المجتمع حتى تظهر به هذه الأخلاق من الصدق والصبر والحُلُم.
من عوامل بناء المجتمع أيضًا، العلم إذ لا يتصور أن تقوم أمة بغير علم، لذا الإنسان عليه ألا يأتي بشيء إلا عن علم كما في قوله تعالى: " ولا تقف على ما ليس لك به علم " سورة الإسراء (الآية رقم 36)؛ فهذا الذي يبني المجتمع.
والمال أيضًا يساهم في بناء المجتمع، فلا تقوم الحياة إلا بالمال، ولا يقوم المجتمع إلا بالمال، ولا تقوم الأسرة إلا بالمال، بل إن فلاح الأسرة بالإنفاق وليس التبذير، المال لا يفسد الإنسان بل التبذير هو الذي يفسده.
ومن عوامل بناء المجتمع الشورى، وهو الحوار، فلا يتصور أن يقوم المجتمع على وجهه ما لم يَسُد فيه مبدأ الشورى، وليس المراد بالشورى ذلك المجلس السياسي، أو مجلس البرلمان؛ بل المقصود الشورى في الأمة كلها ، قال الله – عز وجل –:﴿فَمَاأُوتِيتُمْمِنْشَيْءٍفَمَتَاعُالْحَيَاةِالدُّنْيَاوَمَاعِنْدَاللَّهِخَيْرٌوَأَبْقَىلِلَّذِينَآمَنُواوَعَلَىرَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [ سورة الشورى : الآية 36-43 ] ،هذه الآيات من سورة الشورى، وهي مكية، وكلها تؤكد ما قلت من مقومات المجتمع.
وأهم عاملٍ في البناء هو العدل، قال تعالى: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " سورة النحل (الآية رقم 90)، فإن لم يَسُد العدل في الأمة، وقابله الظلم؛ انهدم المجتمع، فلا بد للعدل على مستوى الحكم، وفي كل المعاملات.
الاعتراف بالحقوق وأدائها، ومن وسائل البناء، الاعتراف بالحقوق وأدائها، فيجب أن نعترف بحقوق الناس، حق الجار، حق الوالد، حق الأم، حق الأخ، حق الصغير، حق الكبير، حق ولي الأمر.
فنِعْم الأساس، وما أعظم البناء! وصلاةً وسلامًا على مَن وضع اللَّبِنات، فكانت عُمدة ومقوِّمات صلبة، ارتكز عليها مجتمعُه الإسلامي في كل بقعة من الأرض، وفي كل عصر من العصور.
بقلم: ليلى الأطرش.
مجلة أزرق - العدد السادس
2 تعليقات
صدقتِ تجسيد للواقع؛ أبدعت وأجدت♥️
ردحذفمبدعة ليلى و مقالة هادفة و بناءة في وقتنا هاد .. الله يوفقك و تحققي كل احلامك
ردحذف