لجوء

   بينما كان قلبي يتسكع في صمت الليل قرب شواطئ المسافرين، كان لعقلي عينان ترى أكثر من الأبعاد التي يراها الناظور، تتقلب صور الحرب في مخيلتي، وقلبي يستشعر ما بين أضلعهم ...!النيران مشتعلة دخانها، لونت السماء باللون الرمادي، لأشلاء تتطاير، الدماء يمتزج ويعانق الدخان ليمنحه لونا قرمزيا معلنا انتصار الموت، ولكن بشموخ يعانق السماء، دموع الأمهات اللواتي تنهمر على وجناتهن شوقا لروحا غابت عن الأحياء، ومعذبون ضمن السجون تعانق أرواحهم الحرية كل يوم، ولكن في وهم الوجود من خلف قضبان من حديد وأقفال فولاذية، هناك أناسا يعيشون في حياة تخلو من الصراعات، ولكنها تُحسب عليهم الزفرات التي يجب أن يستنشقوها؛ حيث أنهم يعيشون حياة العبيد المكبل بحبال العبودية.

 رأيت طفلا يبكي بعد أن لاقت أمه المنية بقذيفة تجعل من السكون ضوضاء، بدأت أمضي والليل يرمي حلته السوداء؛ ليعقد اتفاق تدمير مع الحرب، وأنا أمضي للبعيد، وأسترجع أشرطة كثيرة من حياة بالحرب، واذا بي أسمع أمواج البحر تتضارب ذهابا وإيابا، وتعلو؛ لتخبر السماء شموخها الذي يلتهم كل من يعترض طريقها هناك، أناسا يجتمعون في قوارب صغيرة؛ هاربين من ظلم الحرب، وألم الفقدان؛ عندما ترسل الحرب أثقل أنواع الأسلحة لأكثر الناس براءة، وتغتال روح الحياة منهم، لكنهم يئسوا العيش في أرض يملؤها رعب وخوف، وقتل ودماء، تجمعوا ليخوضو حربا أمر من تلك الحرب، كانت تحتضنهم يد الغدر عندما يرمى بهم في قارب يحمل أقل بكثير مما يتسع ؛ فتكون النتيجة  الغرق بهم، ويكون وجبة شهية لقرش كان ينتظر وجبة فاخرة أصيلة متأصلة بالعروبة؛ ليتقمص من صفاتهم، ولكن القدر يشاء أن يبقى أحدهم بالحياة؛ ليلقى حتفه على يد تجار الأعضاء بالحروب؛ ليبنوا مجد ثروتهم من أرواح الأبرياء، أجسادهم تخيط بعد أن تفرغ، لكنهم بالحقيقة لم يفرغوا الأجساد، بالواقع هم فارغون من الإنسانية، ليكونوا وحشا يتقنع بوجه بشري، فقليل منهم يصل لبر الأمان؛ ليخوض حربا جديدة من العنصرية والتميز؛ لينال المراتب الدنيا بكل شيء، ويصنف بالفئة بتلك البلاد مهما امتلك من مقومات وشهادات، ويعيش في خيام يقيده فيها وقت الخروج والدخول، وعدم العيش بحرية كاملة، وكل تلك الأحداث شهدتها بنفسي، وبأم عيني، عندما كانت قدماي تأخذني إلى مكان تجهله نفسي، ولكن تألفه روحي، وتبرمجه ذاكرتي، وتنقله حروفي؛ ليسقط على ورقة لايبلغ حجمها بحجم كف يدي، ولكن تحمل بين المعنى والمعنى مئات من المعاني ..!

بقلم: نسرين جنيد