الخذلان المتكرر

  سوف تشعر بالوحدة في مرحلة ما من حياتك، ومن الممكن أن يسيطر عليك الخوف حينئذٍ، فيُخيّل إليك أنك بحاجة إلى شريك ما؛ يساعدك على تحمّل هذه الحياة، وأن روحك قد أصبحت ثقيلة عليك وحدك، وهناك فراغ  في مكان ما بداخلك، لا يملؤه إلا إنسان آخر؛ ولذلك سوف تمضي باحثًا عن ذلك الشريك، مكرّسًا طاقتك كلها في سبيل العثور عليه؛ لأنك تعتقد أن وجوده بجانبك لا بدّ أن يخفّف عنك الأعباء اليوميّة، ولا بدّ أن يساعدك على تجاوزها. وفي خضمّ ذلك الصراع الوجداني، سوف تفتح قلبك لأحدهم وتمنحه ثقتك، ثم تسعى وبكامل إرادتك للغرق في تفاصيله لمعرفة اهتماماته، والأشياء التي يحبّها لتفعلها، وكذلك التي يكرهها لتتجنّبها، وكل هذا سوف تقوم به عن طيب خاطر؛ لتحافظ على بقاء ذلك الشخص في حياتك. وعندما تقصّر بشيء ما بسبب تعبك، سيصدمك تغيّر الطرف الآخر معك، أو حتى انقلابه عليك أيضًا، وحينئذ ستجور على نفسك لتعوّض ذلك التقصير. وفي هذا الصدد ستدفع بكامل رغباتك، عواطفك، وطباعك إلى الهاوية لتدفنها هناك، في تغييب متعّمد لشخصيتك، مُتجاهلًا الصوت الذي يتردّد صداه في رأسك، والذي يقول لك باستمرار: "إن ذاتك يتمّ سحقها، وأنك تتغيّر وتتحوّل لشخص آخر.. لشخص ضعيف"، ولكنك سوف تستمرّ في تجاهله؛ لأن الخوف الذي ستشعر به من احتمال فقدان ذلك الإنسان، أعنف وأكثر شراسةً من الخوف الذي سيطر عليك عندما كنت وحيدًا. كذلك الوهم سيصوّر لك أن الإنسان الذي تبذل كل هذا من أجله، قد بات جزءاً منك لا يمكنك فقدانه، وأنه أكثر أهميّة حتى من كيانك الشخصي.  في نهاية المطاف سوف يبلغ الأسى منك كل مبلغ، وخاصة عندما تدرك أنك استنزفت كامل قواك، وإن الإنسان الذي كان من المفترض أن يعينك في انهيارك، لم يعد أكثر من عبء جديد يسرّع في حدوثه. وما أن ينهار كلّ شيء بينكما، ستواسي نفسك بعزاء فارغ وسخيف كأن تقول: "إنَّ اختيارك كان خاطئًا، وأنك لم تجد الشخص المثالي الذي سيكمّل نقصك، ويعوّضك عما شعرت به من خذلان".

 وبعد أن تقضي فترة من الحزن على خيبتك وخسارتك، سوف تعود للبحث مرّة أُخرى، وسوف تجد أحدهم مرّة أُخرى، وتمنحه نفسك مرّة أُخرى، وسيخذلك مرّة أُخرى، بعدها ستواسي نفسك بالعزاء عينه مرّة أُخرى، وقد تدور في هذه الدائرة المظلمة حياتك كلّها. متأخرًا جدًا، سوف تدرك أن المشكلة ليست في ذلك الشريك..! بل في بحثك عنه،وفي كونك بحاجة لأحدهم.

بقلم : ليلى الأطرش