لماذا الطب والهندسة والحقوق؟




لماذا الطب والهندسة والحقوق؟

من منا لم يسمع في طفولته: "أريدك يا ولدي أن تصبح طبيباً في المستقبل وتبيض وجهي أمام الناس"   ....
ومن منا لم يكن طموحه قبل دخول الجامعة أن يصبح طبيباً أو مهندساً!!
والسؤال الذي راود تفكيري منذ مدة طويلة : من الذي افترض هذا الترتيب المحدد للعلوم والدرجات والمراتب ؟ ولماذا هي على هذا الشكل والأفضلية ومنذ متى ؟! ولم لا تكون الزراعة أو التجارة مثلاً في المقدمة طالما أنها مهن أصيلة وعريقة تفيد البشرية ؟؟
وكان أن اقترحت هذا السؤال على أصدقائي في صفحتي على موقع فيس بوك، والأسبابُ التالية هي أبرز إجاباتهم :

1-  جهل المجتمع وما يحمله من عادات وتقاليد : نتجت هذه العادات قديماً نتيجة صعوبة دراسة بعض الفروع كالطب والهندسة والمحاماة؛ نظراً لتطلبها الكثير من الوقت والمعدات والمال أو السفر إلى مدن أخرى للتمكن من نيل شهاداتها، وبذلك صار لدى المجتمع نظرة تقديس للطالب المجدّ الذي يبذل كل هذا الثمن في سبيل العلم، ثم زالت أغلب هذه الصعوبات مع الزمن وبقيت النظرة السائدة في المجتمع تميل إلى الفخر والتباهي بهذه الفروع وجعلها أساساً ومقياساً للتفوق ونتيجةً للاجتهاد.

2-  الجهد المبذول والتعب في الوصول : إن الدراسة المتعمقة في هذه الفروع تحتاج عشرات السنين من الدراسة والخبرة والتجارب، وليس باستطاعة باقي الأشخاص بالقدرات الاعتيادية تحمل ضغوط وآثار العمل الجانبية؛ من سهرٍ وصبر ومشقة وقدرة على ضبط النفس والأعصاب وتنظيم الوقت، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

3-  تحصيل المال والشهرة : لا يختلف اثنان على أن ترتيب الفروع الدراسية في بلادنا يتناسب طرداً مع كمية المال والشهرة المتوقع جنيها نتيجة العمل بما تم تعلُمه في سنوات الدراسة – وذلك بغضّ النظر عن ماهية أهداف الدارسين بداية وإنسانيتها نهاية مروراً بمدى أحقيتها بهذا المال أو الشهرة – والمجتمعُ في النهاية يقدر بشدة الثراءَ والشهرة، ويفضل العمل الذي يجني مالاً أكثر بسرعة أكبر على ما سواه من المهن.

4-  أهمية العلوم وأثرها على الفرد والمجتمع : إن الطب هو من أنبل العلوم على الإطلاق؛ فهو الذي يحافظ على البشرية، ويقيها من الأوبئة والأمراض والحوادث، والاهتمامُ به ليس وليد اليوم؛ بل يمتد إلى عهد قديم كما وصلنا من أخبار عن علماء العرب الذين – وإضافة إلى العلوم الكثيرة التي درسوها – برعوا في الطب وعلاج الأمراض والأسقام باستخدام الأعشاب والعقاقير والعمليات الجراحية، فالإنسان أهم من البنيان، والروح البشرية مقدسة وأغلى من أن تقدر بثمن، والطب يحتاج إلى مهارة ودقة عالية وتركيز شديد وحرص على المعلومات؛ لأن أقل خطأٍ أثناء العمل قد يودي بحياة روح أو أمة بأكملها (( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً )).

أما الهندسة فهي تلي الطب مرتبةً؛ نظراً لأنها تهتم ببناء وعمارة الكون، وتحقق للناس مصالح عظيمة بكلفة قليلة، وبفضلها أُنتجت الأدوات الطبية والأجهزة الحديثة وشيدت العمارات المتطاولة والحضارات المذهلة؛ وأيضاً لولا الدقة والإتقان فيها لقضي على أرواح الناس، أو أهلكتهم ظروف التغيرات المناخية، وانقرضوا كباقي الكائنات الحية، وعلى هذا المنوال تمَّ ترتيب باقي العلوم والاختصاصات .

5-  القيم والأخلاق التي تزرعها في النفس : مهما كان الشخص متسيباً فارغاً،لا قيمة تشده، ولا غاية تميزه؛ إلا أنه – في الغالب – بعد أن يدخل مضمار هذه العلوم ويأخذها بقوة تتشكل لديه قيم رفيعة وأخلاق عالية وأهداف سامية وأساليب فريدة في التعامل مع الناس قلما تتواجد لدى الطبقة غير المتعلمة أو الأقل حظاً من سنوات التعلم، والجميع يشهد بأن النقاش مع المتعلمين في أحد هذي الفروع سيكون مجدياً مثمراً غنياً بالفوائد والقيم رفيعَ المستوى.

6-  العقد النفسية التي تسببها : سبب طريف غير منطقي؛ لكنه مميز وواقعي فعلاً.

وختاماً أقول بأن هذه التصنيفات وغيرها ليست المقياس في التميز والنجاح على الإطلاق؛ بل تحمل الكثير من المغالطات والفروق الطبقية والمنطقية في بعض الأحيان – فلولا الفلاح الذي يتفِّه شأنه أغلبُ الناس لما أكل أحد طعاماً، ولفسد الهرم البيئي بأكمله، ولولا عامل النظافة الذي يحقِّره البشرُ ومهنتَه لغرقنا في أوبئة كارثية وبيئية، ولولا المعلمون لما كان لدينا في الأساس طبيب ولا مهندس ولا قاضٍ – ولكن تلك الأسباب السابقة مجتمعةً كانت العامل الأساس في تشكيل هذه الثقافة وزرعها عميقاً في عقولنا، ولا فضل في الحقيقة لأحد على أحد، ولا لفرع على آخر، ولا غنى لأحد عن غيره فلكل دوره، والقضية تكامل ليس إلا، وكل ميسر لما خلق له، فليبدع فيما قَدر الله له، والأمة اليوم ليست بحاجة للأطباء وغيرهم بقدر حاجتها للعلماء والباحثين والمفكرين والمخترعين؛ فالمفكر والمصلح هو من يعالج عقل الأمة وتفكيرها وعللها ومبادئها وتصوراتها، ويلغي تلك الفروق الطبقية السابقة بين أفرادها.
صديقي ... المجد ليس محصوراً في الطب والهندسة والصيدلة! ولا بأي تخصص جامعي آخر؛ بل هو محصور بداخلك أنت، وإذ ما قررت بصدق أن تبلغ ما تصبو إليه؛ فستنال النجاح فيه حتماً حتى لو كُنت تدرس اختصاصاً لا يمتُّ لهوايتك وشغفك وطموحك بصلة ...

بقلم : هبة الجبه جي (من تعليقات الأصدقاء بتصرف)

الأصدقاء المشاركون في أفكار المقال : زينة – نور – محمد – رغد – آيات – زينب – روضة – نغم – فاطمة – نورة – تهاني – بيان – آمنة – ريم – هبة – ضحى – دعاء – أسيل – خولة – علا – آلاء.

إرسال تعليق

2 تعليقات